تم الإعلان عن ترشيحات جوائز جولدن جلوب 2026، وكان للسينما التونسية نصيب من التكريم: “صوت هند رجب”، الفيلم الجديد للمخرجة كوثر بن هنية، مرشح لجائزة جولدن جلوب لأفضل فيلم بلغة أجنبية. يمثل هذا الترشيح خطوة إضافية في مسيرة الفيلم المتميزة، منذ عرضه في مهرجان البندقية وحتى اختياره لتمثيل تونس رسميًا في جوائز الأوسكار 2026.
هذا الإنجاز الجديد يكرس عملاً سينمائيًا تقوده مخرجة استطاعت، فيلمًا بعد فيلم، أن تبني لنفسها مكانة فريدة في الساحة الدولية. كما يؤكد على تزايد رؤية السينما التونسية على الساحة العالمية.
من البندقية إلى الاعتراف الدولي
بدأت مسيرة “صوت هند رجب” تأخذ بعدًا دوليًا منذ مهرجان البندقية 2025. حيث عُرض الفيلم في المسابقة الرسمية وحصل على جائزة الأسد الفضي لأفضل إخراج، وهي من أعلى الجوائز في المهرجان.
بالتوازي مع هذه الجائزة الكبرى، حصل “صوت هند رجب” على ست جوائز في الأقسام الموازية للمهرجان، مما يعكس الاهتمام الخاص الذي حظي به الفيلم من قبل لجان تحكيم مستقلة وجمعيات مختلفة: جائزة “سينما سرا”، جائزة “سوريسو ديفيرسو فينيسيا”، جائزة “شبكة أفلام حقوق الإنسان”، جائزة “أركا سينما جيوفاني”، جائزة “ليزاني” وجائزة “سيجنيس”.
هذه السلسلة من الجوائز جعلت الفيلم واحدًا من العناوين البارزة في المهرجان، مسلطًا الضوء على أبعاده الفنية والتزامه وموضوعه المهم.
فيلم مستوحى من قصة هند رجب
“صوت هند رجب” مستوحى من القصة الحقيقية لهند رجب، الطفلة الفلسطينية التي قُتلت في غزة بعد أن اتصلت بالهلال الأحمر طلبًا للمساعدة عبر الهاتف. تستلهم كوثر بن هنية هذا الحدث لبناء فيلم يمزج بين العناصر الوثائقية والخيال، مع التركيز على إعادة البناء، والكلام، والذاكرة.
يتبع الفيلم مسار هذا الاتصال، من صوت الطفلة ومن حولها، ليتساءل عن معنى الاستماع، والشهادة، والسرد. يمنح الفيلم مكانة مركزية للكلام، والآثار، والصور التي تبقى، ويواصل عمل المخرجة حول مناطق الاحتكاك بين الشخصي والسياسي، المرئي وغير المرئي، الحقيقي وإعادة البناء.
هذا المشروع يندرج ضمن فيلموغرافيا حيث تستكشف كوثر بن هنية بالفعل أساليب سردية فريدة وأشكال هجينة. بعد “شلات تونس”، “الجميلة والكلاب” أو “الرجل الذي باع جلده”، يواصل “صوت هند رجب” هذا البحث من خلال تقديم عمل سينمائي يعتمد على بناء جهاز، وعلى الطريقة التي يمنح بها الصوت لأولئك الذين غالبًا ما تسكتهم التاريخ.
التزام جماعي حول الفيلم
حول كوثر بن هنية وهذا المشروع، التزمت علنًا عدة شخصيات بارزة في السينما العالمية. من بينهم، براد بيت، خواكين فينيكس، ألفونسو كوارون وجوناثان جليزر قدموا دعمهم لـ “صوت هند رجب”، من خلال الانضمام إلى نهج المخرجة ونشر الفيلم على الساحة الدولية.
هذا الالتزام الجماعي رافق نشر الفيلم، مما ساهم في جذب الانتباه إلى موضوعه ومسيرته. يندرج هذا في سياق حيث يسعى صناع الأفلام والممثلون والمنتجون من مختلف البلدان بشكل متزايد لدعم الأعمال القادمة من مناطق أخرى من العالم، خاصة من العالم العربي، عندما تتناول هذه الأعمال حقائق معاصرة مهمة.
من البندقية إلى الأوسكار: تونس تختار “صوت هند رجب”
بعد البندقية، واصل “صوت هند رجب” مسيرته في مختلف المهرجانات الدولية، وتم اختياره لتمثيل تونس في جوائز الأوسكار 2026 في فئة أفضل فيلم دولي. أكدت هذه الخطوة الدور المركزي للفيلم في موسم الجوائز، وأعادت تأكيد مكانة كوثر بن هنية في تاريخ السينما التونسية الحديث، حيث سبق لها أن مثلت البلاد في الأوسكار مرتين – مع “الرجل الذي باع جلده” (2020) و”بنات ألفة” (2023). الآن، مع ترشيح “صوت هند رجب” لجائزة جولدن جلوب، تصنع الحدث مرة أخرى: إنها المرة الأولى التي يصل فيها فيلم تونسي إلى هذا المستوى من الاعتراف في هوليوود.
ترشيح جولدن جلوب 2026
تضيف ترشيحات جولدن جلوب 2026 الآن مرحلة جديدة إلى هذه المسيرة. يظهر “صوت هند رجب” في فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية، إلى جانب أعمال أخرى غير ناطقة بالإنجليزية تم اختيارها هذا العام.
هذا الترشيح يضع الفيلم في جدول موسم الجوائز في هوليوود.
بالنسبة لكوثر بن هنية، يضاف هذا الاعتراف إلى تلك التي حصلت عليها في البندقية وإلى الاختيارات في العديد من المهرجانات. بالنسبة لفريق الفيلم وللمنتجين المشاركين، يشكل هذا خطوة مهمة في استراتيجية مرافقة الفيلم نحو الأوسكار، من خلال وضعه بوضوح في مشهد الأعمال المتابعة هذا العام في فئة الأفلام الدولية.
فيلم تونسي في قلب قضايا العالم
“صوت هند رجب” من إنتاج تانيت فيلمز، بالتعاون مع عدة دول — تونس، فرنسا، قطر وفلسطين. يندرج الفيلم في ديناميكية التعاون الدولي التي تسمح للقصص المتجذرة بعمق في واقعها المحلي بالوصول إلى جمهور عالمي، مع الحفاظ على رؤيتها وأصالتها. علاوة على ذلك، بالنسبة للشعب الفلسطيني، يحمل هذا العمل أهمية خاصة: فهو يساهم في إسماع صوت غالبًا ما يُسكت، ويذكر، من خلال السينما، بالقوة العالمية للشهادة.
عمل الصورة، الذي أوكل إلى سفيان الفاني، يرافق نهج المخرجة من خلال بناء مساحة بصرية تتيح المجال للأصوات، والوجوه، والغيابات. هيكل الفيلم، وجهازه، وإيقاعه يركزون على إسماع قصة حيث يصبح تفصيل الاتصال، وصوت الطفل، نقطة انطلاق للتساؤل عما يُرى، ويُسمع، ويُسجل، أو على العكس يُمحى.
في هذا السياق، ينضم الفيلم إلى الخطوط العريضة للفيلموجرافيا لكوثر بن هنية: الاهتمام بالأجساد، والقصص المتناثرة، وكلام النساء، والتقاطع بين الشخصي والجماعي.
نحو أيام قرطاج السينمائية
بالتوازي مع حضوره في المواعيد الدولية الكبرى، سيعود “صوت هند رجب” إلى تونس. سيكون الفيلم في مسابقة الأفلام الطويلة الروائية في الدورة القادمة لأيام قرطاج السينمائية، حيث سيُعرض للجمهور التونسي في إطار مهرجان لعب دورًا رئيسيًا في تاريخ السينما العربية والأفريقية.
هذا الاختيار يضع الفيلم في زمن مزدوج: زمن المهرجانات الدولية الكبرى وزمن مهرجان متجذر في المنطقة، الذي يقدم طريقة أخرى لرؤيته ومناقشته. بالنسبة لتونس، فإن هذا الحضور في مسابقة قرطاج، إلى جانب الترشيح لجائزة جولدن جلوب والاختيار للأوسكار، يضع “صوت هند رجب” في قلب الأخبار السينمائية لهذا العام.
لحظة مهمة للسينما التونسية
ترشيح “صوت هند رجب” لجائزة جولدن جلوب لأفضل فيلم بلغة أجنبية لا يقتصر على إضافة بسيطة إلى قائمة الجوائز. إنه جزء من حركة أوسع، حيث يظهر السينما التونسية بشكل متزايد في المواعيد الدولية الكبرى، مدعومًا بصناع أفلام يعملون على أشكال ومواضيع متنوعة.
مع هذا الفيلم، تؤكد كوثر بن هنية مسيرة مميزة بالفعل من خلال اختيارات في كان، والبندقية، والأوسكار ومهرجانات كبرى أخرى. الاعتراف الحالي بـ “صوت هند رجب” هو أيضًا اعتراف بسينما تونسية قادرة على الحوار مع العالم مع الحفاظ على قصصها التي تحتفظ بجذورها، ولغتها، ووجهة نظرها.
نيلا دريس
نقاش حول هذا المنشور