من 16 إلى 24 أكتوبر 2025، ستستضيف منتجع الجونة في مصر الدورة الثامنة من مهرجانها السينمائي، وهو موعد أصبح الآن لا غنى عنه على خريطة الأحداث الثقافية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. منذ إنشائه، فرض مهرجان الجونة السينمائي نفسه كمساحة للقاء بين السينمات العربية والدولية، ومكان للاكتشاف والحوار حيث يلتقي المخرجون المتمرسون والمواهب الجديدة. إعلان الجزء الأول من برنامجه يؤكد هذه الطموح: ثلاثة عشر فيلماً، منها العديد من الأفلام التي حازت بالفعل على جوائز في أكبر المهرجانات، تأتي لتضفي نغمة على دورة تبدو واعدة بشكل خاص.
قالت ماريان خوري، المديرة الفنية لمهرجان الجونة السينمائي: “نحن فخورون للغاية بالبرنامج الذي تم إعداده بعناية والذي سيتم تقديمه، حيث يساهم كل فيلم في نسيج غني من القصص القادمة من جميع أنحاء العالم. المهرجان هو منصة للحوار والاكتشاف، ونحن مقتنعون بأن هذا الاختيار الأولي سيتردد صداه بعمق لدى جمهورنا”.
أفلام حازت على جوائز بالفعل على الساحة الدولية
سيفتتح السينما الإيرانية هذا الاختيار الأولي بفيلم “كان مجرد حادث” لجعفر بناهي، الحائز على السعفة الذهبية في مهرجان كان الأخير. وفياً لفنه في استحضار من مواقف صغيرة صورة أوسع للمجتمع، يتابع بناهي العواقب المتتالية لحادث طريق بسيط. خلف البساطة الظاهرة لنقطة البداية، يكشف الفيلم عن آليات اجتماعية وسياسية معقدة، وهي كتابة أكسبت المخرج اعترافاً دولياً وتجد في الجونة جمهوراً جديداً.
اسم آخر كبير في السينما المعاصرة، يواكيم ترير يعود بفيلم “القيمة العاطفية”. الحائز على الجائزة الكبرى في كان، يستكشف هذا السرد الحميم العلاقة بين شقيقتين لهما مسارات متعارضة: اختارت إحداهما مهنة التمثيل، والأخرى حياة الأسرة. عودة والدهما، المخرج الغائب والذي أصبح الآن مسناً، يحيي جروحاً قديمة ويستجوب العلاقة بالذاكرة والفن والروابط الأسرية. كان ترير قد ترك بصمته في الجونة في 2021 بفيلم “أسوأ شخص في العالم”؛ عودته تشهد على ولاء بعض المخرجين للمهرجان.
من النرويج أيضاً، فاز داغ يوهان هاوغيرود بجائزة الدب الذهبي في برلين بفيلم “أحلام (حب الجنس)”. يتبنى الفيلم وجهة نظر مراهقة تقع في حب معلمها، ترويها في كتاباتها. أكثر من مجرد قصة نضوج، يسلط العمل الضوء على اكتشاف الرغبة، وبناء الهوية، وتعقيد الكلام الحميم. الاعتراف النقدي الذي حصل عليه في برلين – مع جائزة FIPRESCI – يؤكد تفرد نهجه.
ريتشارد لينكلاتر، من جانبه، يقدم بفيلم “القمر الأزرق” تنويعاً جريئاً على الوقت الحقيقي: يركز السرد على مساء 31 مارس 1943، حيث يواجه كاتب الأغاني لورينز هارت انهيار حياته المهنية والشخصية. مدعوم بأداء أندرو سكوت، الذي حصل على جائزة الدب الفضي في برلين عن أدائه، يعد الفيلم غوصاً في مصير فنان، حيث تلتقي الهشاشة البشرية بمتطلبات الإبداع.
بين الواقعية والخيال: الخيال في شظايا
تسلط الاختيارات الضوء أيضاً على قصص حيث يضطرب الواقع عند ملامسة الخيال. مع فيلم “القيامة”، يتخيل بي جان عالماً خالياً من الحلم حيث يحاول وحش الحفاظ على آخر الأوهام. مدعوم بجمالية حسية، حصل الفيلم على جائزة خاصة في كان، ويستجوب مكانة الحلم واللاوعي في مجتمع ميكانيكي.
في فيلم “صوت السقوط”، تروي ماشا شيلينسكي قصة أربع فتيات شابات، مفصولات بقرن ولكن يجمعهن نفس المكان، مزرعة حيث تنعكس وجودهن في بعضها البعض. الحائز على جائزة لجنة التحكيم في كان، يتناول الفيلم مرور الزمن، وذاكرة الأماكن، والانتقال بين الأجيال.
المكسيكي إرنستو مارتينيز بوسيو يدخل بشكل ملحوظ بفيلمه الطويل الأول “الشيطان يدخن (ويحفظ الثقاب المحترق في نفس العلبة)”. يصور الفيلم خمسة أطفال مهجورين، تحت رعاية جدة مصابة بالفصام. بين الواقع والهلوسة، يقدم هذا السرد المزعج، الحائز على جائزة في برلين، غوصاً في خيال مظلم، يكشف عن موهبة جديدة يجب متابعتها.
فيلمان آخران يثريان هذه الفئة من القصص المتجذرة في الحياة والإبداع. مع فيلم “شاعر”، يتبع سيمون ميسا سوتو مسار كاتب مسن متقلب يجد معنى لحياته من خلال توجيه مراهقة نحو الكتابة. حائز على جائزة في كان في قسم “نظرة معينة”، يشهد الفيلم على أهمية اللقاءات ودور المرشدين. أخيراً، تعود لورا واندل، المعروفة بالفعل لجمهور الجونة بفيلم “عالم/ملعب”، بفيلم “من أجل آدم”. تركز القصة على ممرضة أطفال تواجه يأس أم ترفض مغادرة طفلها في المستشفى، وتتناول برقة الألم والتضامن والتزام العاملين في الرعاية الصحية. عُرض في افتتاح أسبوع النقد في كان، يؤكد الفيلم مكانة واندل كمخرجة تهتم بالطفولة والعلاقات الإنسانية.
وثائقيات قوية وشاعرية
في نهاية هذا الاختيار الأولي، يقدم المهرجان أيضاً عدة وثائقيات بارزة. يستكشف فيلم “من الأفضل أن تجن في البرية” لميرو ريمو (جمهورية التشيك، سلوفاكيا) العلاقة المعقدة لتوأمين نشأوا في الطبيعة وواجهوا الانفصال. حائز على الجائزة الكبرى لمهرجان كارلوفي فاري، يمزج الفيلم بين الملاحظة الحساسة والتأمل في الرابط الأخوي والوحدة.
مع فيلم “دائماً”، يقدم ديمينغ تشين استعارة عن فقدان البراءة من خلال مسار شاب صيني، غونغ يوبين، الذي يكتشف نفسه من خلال الشعر. هذا الفيلم الأول، الحائز بالفعل على جائزة DOX:AWARD في CPH:DOX، يظهر حيوية الوثائقي المعاصر وقدرته على الاستيلاء على أشكال سردية جديدة.
أخيراً، يعود راؤول بيك، شخصية بارزة في الوثائقي الملتزم، بفيلم “أورويل: 2+2=5”. بعد النجاح الدولي لفيلم “أنا لست زنجيك”، الذي عُرض في الجونة في 2017، يركز بيك هذه المرة على الأشهر الأخيرة لجورج أورويل وعلى الأهمية الحارقة لعمله “1984”. تجد مفاهيم مثل “التفكير المزدوج” أو “اللغة الجديدة” صدى مقلقاً في عالمنا المعاصر، مما يعزز الأهمية السياسية للسينما الوثائقية.
مهرجان في قلب الحوار الثقافي
منذ إنشائه، وضع مهرجان الجونة السينمائي لنفسه مهمة إنشاء جسر بين سينمات العالم. من خلال تقديم أفلام عربية ودولية لجمهور فضولي ومطلع، يساهم في تداول الأعمال وظهور أصوات جديدة. قال أندرو محسن، مسؤول البرمجة: “تمثل هذه الأفلام مجموعة عالمية من القصص، تتراوح من الخيال إلى الوثائقيات الأكثر تأثيراً، وقد تم تمييز العديد منها بالفعل في المهرجانات الكبرى. هذا ليس سوى لمحة عن الرحلة السينمائية التي تنتظر جمهورنا”.
تظهر ثراء هذا الاختيار الأولي طموح مهرجان الجونة: تسليط الضوء على أفلام متطلبة، توقيعات مؤكدة مثل الاكتشافات، وتقديم تجربة للمشاهدين حيث تلتقي الثقافات والجماليات ورؤى العالم. في الأسابيع المقبلة، ستكمل عناوين جديدة هذه البرمجة، ولكن بالفعل، يؤكد هذا الإعلان الأول دور الجونة كملتقى لا غنى عنه للسينما الدولية.
نقاش حول هذا المنشور