قطعت الصين تعهدات جديدة بشأن زيادة الواردات وتيسير وصول المستثمرين الأجانب إلى السوق وسط سلسلة جديدة من تدابير الانفتاح، وذلك خلال مراسم افتتاح الدورة السادسة لمعرض الصين الدولي للاستيراد التي انطلقت هنا يوم الأحد المنصرم.
ومع أول عودة كاملة لإقامته حضوريا منذ تفشي كوفيد-19، سلط المعرض السنوي، الذي يقام خلال الفترة من 5 إلى 10 نوفمبر الجاري، الضوء مرة أخرى على تكريس الصين لاتجاهها صوب الانفتاح الرفيع المستوى والتنمية التشاركية في خضم اقتصاد عالمي يواجه العديد من التحديات.
واستقطبت دورة معرض الصين الدولي للاستيراد هذا العام مشاركين وضيوفا من 154 دولة ومنطقة ومنظمة دولية، فيما قام أكثر من 3400 عارض وما يقرب من 410 آلاف زائر مهني بالتسجيل في الحدث، وهو ما يمثل عودة كاملة للمعرض إلى مستويات ما قبل الجائحة.
وبوصفه أول معرض على المستوى الوطني في العالم حول موضوع الاستيراد، لا بد من الإشارة إلى أن معرض الصين الدولي للاستيراد خرج إلى النور بتخطيط واقتراح وحشد وترويج من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ شخصيا، وذلك لغرض واحد هو توسيع انفتاح الصين وتحويل سوقها الهائلة إلى فرص عظيمة للعالم.
وقال شي في رسالة بعث بها إلى معرض الصين الدولي للاستيراد يوم الأحد الماضي، إن الصين ستدفع بقوة الانفتاح الرفيع المستوى وستواصل جعل العولمة الاقتصادية أكثر انفتاحا وشمولا وتوازنا ونفعا للجميع.
فتح “البوابة الذهبية” على نطاق أوسع
من الروبوتات عالية المرونة والعلاجات المبتكرة للأمراض النادرة إلى العطور السورية والسجاد الأفغاني، تُعرض مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات من جميع أنحاء العالم في دورة هذا العام من المعرض، الذي يعرف، منذ تدشينه في عام 2018، باسم “البوابة الذهبية” للسوق الصينية الواسعة.
وفي النسخ الخمس السابقة للمعرض، شاركت 131 دولة ومنظمة دولية في المعارض المخصصة للدول، حيث كان الظهور الأول لحوالي 2000 من المنتجات والتقنيات والخدمات الجديدة، وبلغ إجمالي المبيعات المزمعة نحو 350 مليار دولار أمريكي.
وفي كلمة رئيسية له خلال مراسم افتتاح المعرض، قال رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إنه من المتوقع أن تصل واردات الصين من السلع والخدمات إلى 17 تريليون دولار أمريكي من حيث القيمة التراكمية خلال السنوات الخمس القادمة.
وفي معرض إشارته إلى أن الصين ظلت تحدوها الرغبة دوما في تقاسم فرصها السوقية، تعهد لي أيضا بتوسيع الواردات بنشاط، وتطبيق قوائم سلبية لتجارة الخدمات عبر الحدود، ومواصلة تسهيل الوصول إلى السوق الصينية.
في الصورة الملتقطة يوم 3 نوفمبر 2023، منظر ليلي بمدينة شانغهاي في شرقي الصين، حيث يقام معرض الصين الدولي السادس للاستيراد خلال الفترة من 5 إلى 10 نوفمبر الجاري.(شينخوا)
وقال جوليان بليسيت، نائب الرئيس التنفيذي لشركة (جنرال موتورز) ورئيس (جنرال موتورز تشاينا): “إن الإعلان الأخير بشأن حجم الواردات المتوقعة للصين في السنوات الخمس القادمة أمر مشجع للغاية لكل من الشركات الأجنبية التي تتعامل مع الصين والاقتصاد العالمي ككل”.
وبالمقارنة مع النسخ السابقة، سجل معرض الصين الدولي للاستيراد هذا العام ارتفاعات قياسية من حيث عدد شركات (فورتشن 500) وقادة الصناعات المشاركين.
وقال بليسيت: “إن العودة الكاملة لإقامة المعرض حضوريا هذا العام أمر مثير”، مشيرا إلى أن معرض الصين الدولي للاستيراد “نموذج مثالي” لالتزام الصين بالانفتاح.
وفي تصريح لوكالة أنباء شينخوا قال بليسيت: “نتطلع إلى مزيد من الاستفادة من الإمكانات الهائلة للسوق الصينية، التي تتمتع بجاذبية كبيرة نظرا لديناميتها وانفتاحها”.
وسيتم خلال هذه الدورة تسليط الضوء على أكثر من 400 من المعروضات الجديدة – من المنتجات والتقنيات والخدمات – حيث يعد هذا هو الظهور الأول لبعضها على مستوى العالم، مما يدلل على أهمية السوق الصينية في المشهد الاقتصادي العالمي.
وقال جاسبر أنج، رئيس شركة (فورتيف إيشا) التي تشارك للمرة السادسة في المعرض: “إن معرض الصين الدولي للاستيراد منصة مهمة لجذب الشركات الرائدة عالميا لعرض أحدث تقنياتها وقدراتها الابتكارية”.
وفي دورة هذا العام، تعرض الشركة تقنيات وحلولا في مجالات مثل الصناعة 4.0 (الصناعة الذكية) والطاقة الخضراء والنقل الأخضر والرعاية الصحية المتقدمة.
فرصة واعدة
وفيما يواجه الاقتصاد العالمي ضغوطا انحدارية متزايدة، فإن اقتصادا صينيا أكثر انفتاحا وحيوية أتاح فرصا تجارية ثمينة للعديد من الشركات الأجنبية المشاركة في معرض الصين الدولي للاستيراد.
ووفقا لأندرياس ثورود، مدير مجلس الأغذية البحرية النرويجي في البر الرئيسي الصيني وهونغ كونغ، فإن العارضين والزوار من مختلف البلدان سيحصلون، من خلال معرض الصين الدولي للاستيراد، على إحساس حقيقي بدينامية السوق الصينية والفرص الهائلة التي توفرها.
وقال ثورود: “بالنسبة لدورة المعرض لهذا العام، أتطلع حقا إليها”، مضيفا أنه “بالنظر إلى أننا نشهد العام الأول (لإقامة المعرض حضوريا) بعد الجائحة، أتوقع زيادة في عدد الزوار، وضجة متزايدة، وأشياء أكثر إثارة تحدث. أنا واثق من أن هذه الدورة ستكون ناجحة للغاية”.
وشهدت الصين علامات عديدة على تحسن اقتصادها في الأشهر الأخيرة، مع ارتفاع المؤشرات الاقتصادية الرئيسية للناتج الصناعي والاستهلاك والاستثمار.
ومع تجاوز الأداء الاقتصادي للصين في الربع الثالث لهذا العام توقعات السوق، رفعت المؤسسات المالية الأجنبية، بما في ذلك (يو بي إس) و (دويتشه بنك)، توقعاتها لنمو البلاد هذا العام.
وتسهم التنمية العالية الجودة للاقتصاد الصيني في خلق فرص متزايدة للشركات الأجنبية، ومن بينها شركة الرعاية الصحية الألمانية (بوهرينجر انجيلهايم)، التي تشارك في المعرض للعام الخامس على التوالي.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، جلبت هذه الشركة ما يقرب من 30 منتجا وحلا مبتكرا إلى معرض الصين الدولي للاستيراد، وتمت الموافقة على العديد منها في الصين. كما تخطط الشركة لاستثمار أكثر من 4 مليارات يوان (حوالي 557 مليون دولار أمريكي) في البحث والتطوير في الصين خلال السنوات الخمس القادمة.
وقال بافول دوبروكي، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة (بوهرينجر انجيلهايم جريتر تشاينا) إن التركيز على الابتكار يساعد شركات الرعاية الصحية العالمية المتعددة الجنسيات مثلنا على الاستفادة من الإمكانات الهائلة للسوق الصينية.
مسار شامل نحو التنمية
ويمكن للبلدان والشركات، بغض النظر عن حجمها وقوتها، العثور على “ممر سريع” إلى السوق الصينية الواسعة، من خلال معرض الصين الدولي للاستيراد.
وأحضر العارض الباكستاني حبيب الرحمن مصابيح ذات ميزات محلية خاصة مصنوعة من الملح الصخري، إلى النسخة الرابعة من المعرض، وهو المنتج الذي أثار هوسا بين الزوار، حيث باع حوالي 60 ألف مصباح من خلال الطلبات التي تلقاها في معرض الصين الدولي للاستيراد وفي معرض تجاري في شانغهاي مخصص لبيع سلع معرض الصين الدولي للاستيراد.
وقال حبيب الرحمن “السوق الصينية مرنة للغاية، وقد اتصل بي العديد من عملائي القدامى بالفعل لطلب منتجات جديدة لهذا العام”، مضيفا “نأمل من خلال المعرض، أن ينتبه المستهلكون الصينيون إلى أصالة الحرف اليدوية الباكستانية، الأمر الذي سيساعد في التنمية المستدامة لصناعة الحرف اليدوية لدينا”.
في الصورة الملتقطة يوم 5 نوفمبر 2023، جانب لحضور المشاركين في مؤتمر صحفي حول تقرير الانفتاح العالمي 2023 والندوة الدولية حول انفتاح العالم، وذلك أثناء الدورة السادسة لمنتدى هونغتشياو الاقتصادي الدولي في بلدية شانغهاي بشرقي الصين. (شينخوا)
وفي هذا العام، شهد المعرض مشاركة حوالي 1500 من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، حيث ارتفع عدد العارضين من تلك الشركات وزادت مساحة العرض المخصصة لهم بنحو 40 في المائة مقارنة بالنسخة السابقة للمعرض. كما وفر المعرض مقصورات مجانية وسياسات داعمة أخرى لحوالي 100 شركة من 30 دولة من البلدان الأقل نموا.
وفي رسالته إلى المعرض، أعرب الرئيس شي عن أمله في أن يلعب المعرض دورا أكبر في توفير السلع والخدمات العامة الدولية المشتركة التي تسهل إقامة اقتصاد عالمي مفتوح وتسمح للعالم بالاستفادة من التعاون المربح للجميع.
وجلبت بوتاكوز يلشيبك من كازاخستان، والتي تشارك لأول مرة في المعرض، العديد من المنتجات المحلية ذات الميزات الخاصة، مثل دقيق القمح ومسحوق حليب الإبل، إلى دورة المعرض لهذا العام على أمل تحقيق اختراق في أعمالها التجارية.
وقالت بوتاكوز “يمنحنا معرض الصين الدولي للاستيراد فرصة لاستكشاف السوق الصينية. ونأمل في إقامة شراكات استراتيجية مع المصنعين والموردين والمشترين من مختلف البلدان هنا، ومواصلة توسيع حصتنا في السوق، واستقطاب المزيد من المستهلكين”.(شينخوا)
نقاش حول هذا المنشور