يقال إنه في الشدائد تمتحن معادن الناس، وموقف اليونان من الأزمة الإنسانية التي خلفها الزلزال التركي، خير دليل لهذا المثل، فأثينا تجاوزت للحظة خلافاتها من الماضي إلى الحاضر لتقف إلى جانب جارتها، أنقرة.
فقد تحدث رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، هاتفياً مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الإثنين، لتقديم “مساعدة فورية” لتركيا بعد الزلزال العنيف الذي ضرب المنطقة والذي أودى وفق آخر تحييين نشرته إدارة الكوارث والطوارئ، بحياة 3381 شخصا، فيما أصيب 20 ألفا و426 آخرون.
إلى ذلك جدد رئيس الحكومة “رغبة اليونان في مساعدة تركيا على الفور”، وقدم “خالص تعازيه”، بحسب بيان مقتضب أصدره مكتبه، فيما تشهد العلاقات بين هذين البلدين الجارين والخصمين التاريخيين توترات شديدة اتسمت خلال الأشهر الماضية بتصريحات نارية بين الزعيمين.
وسبق أن أكد ميتسوتاكيس “وضع كل قواتنا في تصرف تركيا”، معلناً إرسال طائرة للقوات الجوية اليونانية مع 20 عنصر إطفاء ومساعدة انسانية.
وأضاف أن ما حصل “كارثي”، موضحا أن اليونان تستطيع أن تقدم إلى تركيا “معدات مختلفة ولوازم طبية وبطانيات وخياما”، بحسب الحاجات.
من جهته، قال وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس إنه أجرى اتصالا هاتفيا بنظيره التركي مولود تشاوش أوغلو، مكررا استعداد بلاده لتقديم “مساعدة طبية” إلى تركيا.
هذا وتقل الطائرة سي-130 التابعة للجيش اليوناني، التي غادرت أمس الاثنين، رئيس الهيئة اليونانية لمكافحة الزلازل للمشاركة في “إدارة الجهود بهدف مواجهة هذه الكارثة”، بحسب ما أفاد المتحدث باسم الحكومة اليونانية يانيس أويكونومو، الاثنين.
أنقرة وأثينا.. عندما تنتصر القيم عن الخلافات!
في الواقع يعود آخر لقاء بين الرجلين إلى أكتوبر الماضي في براغ خلال إطلاق المجموعة السياسية الأوروبية، وفق ما ذكر لفرانس برس مصدر في مكتب رئيس الوزراء اليوناني، لكنه لم يمر بسلام. فقد انسحب ميتسوتاكيس من عشاء لرؤساء الدول والحكومات حين هاجم أردوغان اليونان، محملا إياها مسؤولية انعدام الاستقرار في البحر المتوسط.
تجدر الإشارة إلى أن الصراع محتد مؤخرا بين الطرفين بخصوص قضيةة جزر بحر إيجة؛ فتركيا ترى أن سيادة اليونان على الجزر مرتبطة بتحقيق شرط نزع السلاح بموجب اتفاقيات دولية أما اليونان فتعتقد أنّ الظروف التي كُتبت فيها تلك الاتفاقيات تجاوزها الزمن والسياقات وتبرر بأن عملية التسليح رد فعل طبيعي على وجود العديد من سفن الإنزال على طول الساحل الغربي التركي.
لكن النزاع بين “الجيران الأعداء” مركب ومتشابك بل وقديم تُغذيه نزاعات حديثة ولكن يبقى أساسه الأمن القومي، بدأ من القضية القبرصية والصراع التاريخي على تلك الجزيرة إلى جزر بحر إيجة ومسألة المياه الإقليمية وتداخل المجال الجوي، مرورا بالفيتو اليوناني ضد دخول تركيا للاتحاد الأوروبي وملف المهاجرين، وصولا إلى ملف التنقيب عن النفط والغاز من جهة والتنافس الجيوسياسي من جهة أخرى في شرقي المتوسط.
لكن ورغم الخصومة التاريخية بينهما، تتبادل أثينا وأنقرة تقديم المساعدة عند وقوع كوارث طبيعية، وخصوصا منذ زلزال سابق دمر منطقة إزميت في تركيا العام 1999.
نقاش حول هذا المنشور