“بلادنا تؤيد تحويل بحر إيجة والمتوسط إلى منطقة صداقة، وعلى اليونان التخلي عن موقفها المتصلب والتعلّم من التاريخ”..”اليونان ترتكب أعمالاً استفزازية بعيدة عن القانون ويجب أن نقول للناتو في النهاية أوقف أثينا عن مثل هذه الأعمال”.
كانت هذه كلمات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، التي صرح بها أول أمس السبت الـ 24 من ديسمبر 2022
وبهذه العبارات توجه أكار إلى حلف شمال الأطلسي، داعيا إياه للتصدي إلى ما وصفها بالأعمال الاستفزازية التي تقوم بها الجارة “أثينا” ضد “أنقرة”.
وزير الدفاع التركي خلوصي أكار
هدنة مؤجلة حتى إشعار آخر !
سعت ألمانيا مؤخرا كوسيط لإحياء قنوات التواصل والحوار بين “الجارتين” بهدف حل الأزمة “ديبلوماسيا”.. إلا أن الهدنة سرعان ما أُجهضت !
كان المتحدث باسم الحكومة الألمانية ستيفن هيبيستريت، قد أعرب عن دعم بلاده للحوار بين الطرفين المتنازعين، لا سيما عقب الاجتماع الثلاثي الذي احتضنته بروكسل الجمعة قبل الماضي.
حيث جلس الأتراك وبعد أسابيع من توتر العلاقات، إلى الطاولة ذاتها مع اليونانيين تحت وصاية برلين.
لكن يبدو أن الرياح التركية اليونانية تجري بما لا تشتهيه السفينة الألمانية !
فثلاثة أيام فقط عقب الجلوس إلى طاولة الحوار، تركيا تصدر بيانا تتهم فيه اليونان “بالتحرش” بمقاتلات تابعة لقواتها الجوية كانت تشارك في مهمة تابعة “للناتو” فوق “إيجة”، للمرة الثانية في أقل من أسبوع.
وهنا لابد من التذكير بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان قد حذر الأحد الـ 18 من ديسمبر الجاري، اليونان من الاستمرار فيما سماها “استفزازاتها” والكف عن تسليح الجزر في بحر إيجة والالتزام بالاتفاقيات الدولية المبرمة في هذا الشأن.
تركيا تتهم اليونان بالتحرش بطائراتها ضمن مهمة الناتو
حيث قال في تصريحات نقلتها وكالة الأناضول “إذا استمرت اليونان في التحرك في إيجة، فإننا سنفعل ما هو ضروري”، مشيرا إلى أن تركيا بدأت في صنع صواريخها الباليستية قصيرة المدى !
الجيش اليوناني يعلن عن تحليق مقاتلتين قاذفتين من تركيا فوق جزر يونانية غير مأهولة
ويبدو أن هذا ما حدث فعلا !
“مقاتلاتنا قامت بالرد اللازم”.. تقول السلطات التركية التي أعلنت أن طائراتها ردت فوراً على “عملية التحرش اليونانية”، من دون توضيح التفاصيل…
لكن لم ينتهي كل هذا مع الرد، حيث أعلنت هيئة الأركان العامة للجيش اليوناني، يوما بعد العملية، عن تحليق مقاتلتين قاذفتين من تركيا فوق جزر يونانية غير مأهولة شرقي بحر إيجة، الأربعاء الـ 21 من الشهر الجاري.
ما هو رأي الناتو؟
دور الناتو في الصراع التركي اليوناني
يظهر حلف الناتو ضمن هذا الصراع في صورة الأم التي لا تريد “على الأقل” في الظاهر أن تنتصر لابن على حساب الآخر في كنف الدبلوماسية ويتجلى ذلك في الدعوة التي وجهها الحلف إلى اليونان وتركيا بضرورة حل خلافاتهما “من خلال الوسائل الدبلوماسية وبروح من التضامن بين الحلفاء”.
ملف إيجيه هو جزء من الخلاف وليس الخلاف كله !
صحيح أن الصراع مؤخرا قائم أساسا على جزر بحر إيجة بين تركيا التي ترى أن سيادة اليونان على الجزر مرتبطة بتحقيق شرط نزع السلاح بموجب اتفاقيات دولية وأثينا التي تعتقد أنّ الظروف التي كُتبت فيها تلك الاتفاقيات تجاوزها الزمن والسياقات وتبرر بأن عملية التسليح رد فعل طبيعي على وجود العديد من سفن الإنزال على طول الساحل الغربي التركي.
لكن النزاع بين “الجيران الأعداء” مركب ومتشابك بل وقديم تُغذيه نزاعات حديثة ولكن يبقى أساسه الأمن القومي !
فمن القضية القبرصية والصراع التاريخي على تلك الجزيرة إلى جزر بحر إيجة ومسألة المياه الإقليمية وتداخل المجال الجوي، مرورا بالفيتو اليوناني ضد دخول تركيا للاتحاد الأوروبي وملف المهاجرين، وصولا إلى ملف التنقيب عن النفط والغاز من جهة والتنافس الجيوسياسي من جهة أخرى في شرقي المتوسط.
يشار إلى أن هذه الخلافات القديمة المتجددة قد أوصلت البلدين إلى شفا الحرب ثلاث مرات في نصف القرن الماضي.. ولكن ومع المرور من التوتر وحرب التصاريح إلى التصعيد العسكري.. فهل ستُقرع طبول الحرب هذه المرة أم أنها ستبقى في حدود “مناوشات” هدفها ذر الرماد على العيون لإلهاء الرأي العام عن عدة قضايا أساسية في مقدمتها الوضع الاقتصادي الصعب لكلا البلدين؟
-كلثوم الرحموني-
نقاش حول هذا المنشور