كشف مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن جميع تفاصيل دورته السادسة والأربعين، التي ستقام من 12 إلى 21 نوفمبر 2025. جاء الإعلان خلال مؤتمر صحفي في فندق سوفيتل داون تاون النيل بالقاهرة، بحضور جمهور كبير من الفنانين وصناع السينما والصحفيين وممثلي وسائل الإعلام، بالإضافة إلى العديد من الشركاء والرعاة والسفراء والمسؤولين المؤسسيين.
افتتحت اللقاء بملاحظة رسمية، تميزت بأداء النشيد الوطني المصري. ثم، تحت تصفيق الحضور، صعد حسين فهمي، رئيس المهرجان، ومحمد طارق، الناقد السينمائي والمدير الفني، إلى المسرح للكشف عن ملامح هذه النسخة الجديدة.
في كلمته الافتتاحية، رحب حسين فهمي بالحضور بعاطفة، مذكراً بأن مهرجان القاهرة يظل “أحد المعالم الأساسية للذاكرة الفنية لمصر وقلب كل محب للسينما الحقيقية في العالم العربي”. وأضاف بحرارة رجل مرتبط بشدة بمهمته: “أنا سعيد ومتشرف بالوقوف أمامكم اليوم، كرجل شغوف بالسينما، مقتنع بأن الفن الحقيقي يمتلك القدرة على تغيير الواقع وإشعال الأمل في قلوب الناس، حتى في أصعب اللحظات”.
وأوضح أن هذه النسخة السادسة والأربعين ستتمحور حول موضوع مركزي: “الإنسان”. كلمة بسيطة، لكنها تحمل صدى قوي. وأوضح أن الأفلام المختارة ستروي أحلام ونضالات واهتمامات الإنسان الحديث، بينما تجسد مهمة مهرجان القاهرة في البقاء منارة للإبداع والإشعاع الثقافي.
ذكر حسين فهمي أن المهرجان ليس مجرد واجهة فنية، بل هو مساحة للتفكير والحوار والنقل. وأكد على دور السينما كحلقة وصل بين الشعوب: “مهرجان القاهرة جزء من الذاكرة الجماعية لمصر. علمتنا السينما أن الفن ليس ترفاً أبداً، بل ضرورة. يمكن للصورة على الشاشة أن تغير الطريقة التي يدرك بها الناس حياتهم وتفتح أبواب الأمل، حتى في أحلك اللحظات”.
مخاطباً الجمهور والضيوف الدوليين، شدد على ضرورة إبقاء الإنسان في المركز: “عالمنا يتغير بسرعة، لكن ما يبقى دون تغيير هو الإنسان. لهذا السبب، اخترنا هذا العام أفلاماً تتحدث عن التجربة الإنسانية، والبحث عن المعنى والجمال”.
تأثرت كلمته بشكل خاص عندما أشار إلى وقف إطلاق النار الذي تحقق في غزة بفضل الوساطة المصرية. “الفن، كما قال، يحمل دائماً رسالة إنسانية تقرب الشعوب وتذكر بحق الجميع في الحلم والعيش بأمان”. وذكر أن نسخة 2024 خصصت برنامجاً خاصاً للتضامن مع فلسطين، وأنه في 2025، ستستمر هذه الاستمرارية من خلال عرض فيلم “صوت هند رجب” لكوثر بن هنية، الذي اختير كفيلم ختامي.
قبل أن يختتم، وجه فهمي شكره للمؤسسات والشخصيات التي ترافق المهرجان: اللجنة الاستشارية العليا، المكونة من أمل عثمان، جابي خوري، ياسمين طه زكي، سمير فرج، طارق الشناوي، عمر عبد العزيز، عمرو بدر، ليلى علوي، محمد العدل، مسعد فودة وهشام عبد الخالق. كما حرص على تحية فريق المهرجان، موظفين ومتطوعين، الذين وصفهم بأنهم “الحراس الحقيقيون لهذه الذاكرة الجماعية”.
ثم تم الكشف عن الملصق الرسمي لهذه النسخة السادسة والأربعين. مستوحى من النحت الشهير “نهضة مصر” لمحمود مختار، يرمز إلى الاستمرارية بين عظمة الماضي وحيوية الحاضر. في نفس السياق، تم تقديم مجموعة من الأفلام المصرية الكلاسيكية المستعادة، وهو مشروع وصفه فهمي بأنه “جسر بين تاريخ السينما ومستقبلها”.
تم الإعلان عن عدة شراكات ثقافية وتعليمية: مع الجامعة الأمريكية بالقاهرة، التي ستوفر مساحات للعرض وورش العمل؛ مع مؤسسة دروسوس، التي تدعم للسنة الثانية على التوالي قدوم الشباب من محافظات مصر؛ مع دار ريشة للنشر، المكلفة بنشر خمسة كتب مخصصة للشخصيات المكرمة بالإضافة إلى مجلد يحيي الذكرى المئوية لـ FIPRESCI؛ وأخيراً مع جامعة كوفنتري، تكريماً لرئيسها الراحل، الدكتور ياسر صقر، لدوره في الشراكة.
كما أبرز حسين فهمي حضور المهرجان على الساحة الدولية – في برلين، كان، شنغهاي، فينيسيا وأماكن أخرى – مشيراً إلى تعزيز العلاقات مع الشركاء الأجانب، لا سيما في الصين. وأعرب عن سعادته بعودة الجناح المصري إلى كان، بعد عشر سنوات من الغياب، بالشراكة مع مهرجان الجونة ولجنة السينما بالقاهرة. وقد فاز هذا الجناح بجائزة أفضل تصميم في سوق الفيلم 2025، وهو نجاح يرمز، حسب قوله، إلى “نهضة السينما المصرية على الساحة العالمية”.
ستتجسد هذه الانفتاح الدولي أيضاً من خلال مشاركة وفد صيني كبير، ضيف شرف هذه النسخة، مما يوضح الاهتمام المتزايد للجمهور الآسيوي بالسينما المصرية.
سيتم تكريم ثلاث شخصيات مصرية هذا العام: محمد عبد العزيز، مخرج، ومحمود عبد السميع، مدير التصوير، وكلاهما سيحصل على جائزة الهرم الذهبي عن مجمل أعمالهما، بالإضافة إلى خالد النبوي، الممثل، الذي سيحصل على جائزة فاتن حمامة للتميز.
ثم تحدث المدير الفني، محمد طارق، لتقديم رؤية هذه النسخة. في خطاب تأملي وشغوف، قال: “إنها نسخة جديدة من مهرجان قديم، ارتبطت به منذ بداياتي، من خلال المناصب المختلفة التي شغلتها على مر السنين. لقد جبت ممراته كما لو كانت منزلي الخاص. إنه مهرجان تعلمت من خلاله حب السينما، وإدارته اليوم هو شرف وحلم تحقق”.
روى كيف بدأت فريق المهرجان التحضيرات لهذه النسخة السادسة والأربعين مبكراً، ببناء فريق متماسك، وتحديد الأدوار، ثم جابوا المهرجانات العالمية، من الشرق إلى الغرب، بحثاً عن أفلام فريدة وأعضاء لجنة تحكيم محتملين. “في مهرجان كان، كنا فخورين برؤية مصر تفوز بجائزة أفضل تصميم جناح في سوق الفيلم 2025، الذي نظم بالشراكة مع CIFF. كان هذا الجناح يحمل اسم بلد يعكس تاريخه السينمائي ثراء حضارته”.
أوضح محمد طارق أن المهرجان لم يسعَ إلى الكمية، بل إلى الدقة. “أردنا تقديم كل فيلم بطريقة تجعله يجد جمهوره. رغم هذه الانتقائية، يضم برنامجنا 80 فيلماً طويلاً، تغطي جميع الأنواع – الخيال، الوثائقي، الرسوم المتحركة، التجريبي – من أكثر من 45 دولة”.
كما أشار إلى المناقشات التي جرت مع منظمي المهرجانات العربية الأخرى لتحسين تنسيق العروض الإقليمية الأولى: “أردنا إعادة مكانة القاهرة كمحور للسينما العربية”، وأكد أن هذه الرغبة تتجلى من خلال وجود أفلام منتظرة بشدة مثل “كان يا ما كان في غزة” لطرزان وعرب ناصر (الذي فاز بجائزة الإخراج نظرة ما في مهرجان كان)، “كال مالقا” لمريم التوزاني، أو “المنفى” لمهدي حملي، بالإضافة إلى عناوين عربية رئيسية أخرى ستعرض لأول مرة في CIFF قبل أن تواصل مسيرتها نحو مراكش، الدوحة، البحر الأحمر أو قرطاج.
يتضمن البرنامج أيضاً قسماً خاصاً مخصصاً لـ 22 فيلماً مصرياً كلاسيكياً مستعاداً، بالإضافة إلى مجموعة من 25 فيلماً قصيراً، تقدم “مساحة للاكتشاف والتجريب” لصانعي الأفلام الشباب. “بهذه الطريقة نجمع بين روح التجديد وروح الحفاظ على التراث”، لخص طارق.
سيتم تكريم شخصيتين دوليتين أيضاً: المخرجة المجرية إيلديكو إينيدي، التي ستحصل على الهرم الذهبي عن مجمل أعمالها تقديراً لعمل يتميز بعمق إنساني كبير، توجت به كاميرا الذهب والدب الذهبي. تم اختيار فيلمها قبل الأخير، “قصة زوجتي”، في المسابقة الرسمية في كان، وسيتم عرض أحدث أعمالها، “الصديق الصامت”، في المسابقة الرسمية في CIFF. كما سيتم الاحتفاء بالممثلة الفلسطينية هيام عباس لمسيرتها الدولية التي تميزت بأدوار قوية، لا سيما في “ميونيخ” و”الخلافة”، ولحملها بقوة صوت الشعب الفلسطيني.
سيترأس لجنة تحكيم المسابقة الدولية المخرج التركي نوري بيلج جيلان، محاطاً بسيمونا باجي (إيطاليا)، جوان هو (الصين)، نادين خان (مصر)، بسمة (مصر)، ليلى بوزيد (تونس) وبوجدان موريسانو (رومانيا).
ستشمل الأقسام الموازية آفاق السينما العربية (بإدارة محمد نبيل)، الأسبوع الدولي للنقد (أسامة عبد الفتاح)، مسابقة الأفلام القصيرة (مروان عمارة)، جائزة أفضل فيلم وثائقي (رامي المطولي) وقسم جديد مخصص للأشكال والوسائط الجديدة والمبتكرة، بإشراف نورا كحيل. كما تم تأكيد لجان تحكيم جائزة NETPAC، جائزة FIPRESCI وجائزة أفضل فيلم عربي.
ثم قدم مدير أيام القاهرة للصناعة، محمد سيد عبد الرحيم، الخطوط العريضة للبرنامج المهني، قبل أن يعلن رودريغو بروم عن الرعاة، لجان التحكيم والمشاريع في Cairo Film Connection، التي تفرض نفسها كمنصة لا غنى عنها للإنتاج المشترك والتدريب في المنطقة.
اختتم المؤتمر بكلمات مليئة بالوعد من حسين فهمي: “نلتقي بكم في نوفمبر لنهضة حقيقية، تليق بتاريخ مهرجان القاهرة ومصر”. ثم خفتت الأضواء، تاركة المجال لعرض المقطع الترويجي الرسمي لهذه النسخة السادسة والأربعين – مقدمة نابضة لموعد يعده القاهرة بشغف وفخر.
نقاش حول هذا المنشور