مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة هي مبادرة ترمي لتشجيع المسواة بين الجنسين في الصناعة السينماتوغرافية ولتوفير فرص للشباب بمنطقة اسوان، وخاصة الفتيات اللاتي غالبا ما يواجهن عراقيل في اتباع هواياتهن. منذ سبع سنوات ينظم المهرجان ورشات تكوين لإعداد الشباب لمهن السينما ومساعدتهم على انجاز افلام قصيرة.
حصص التكوين تبدأ تقريبا قبل سبعة اشهر من دورة المهرجان مع تكوين فريق مختلط من البنات والاولاد، يتعلم الشباب كل ما يلزم لتصوير فيلم من البداية الى النهاية: من خلق قصة الى كتابة سيناريو مرورا بالقص والكاستينغ والاخراج والمونتاج. الورشات يديرها مختصون في كل الميادين مثل كتاب السيناريو والمخرجين والمختصين في المونتاج.
بمجرد انتهاء التكوين يقع اختيار من 6 الى 8 مشاريع لتصويرها فعلا وتقديمها في المنافسة اثناء المهرجان. هذه الافلام القصيرة يتولى انتاجها المهرجان والذي يهتم ايضا بترويجها وتوزيعها. في العام الماضي تم اختيار فيلمين قصيرين في المنافسة في مهرجانات خارج اسوان احدها في مهرجان الرباط لسينما المؤلف (المغرب) والآخر في ايام قرطاج السينمائية بتونس.
المهرجان لا يقتصر فقط على توفير ورشات التكوين للشباب، المنظمون يعملون ايضا مع المشاركين لمساعدتهم على الدخول في الحياة المهنية، تشجيعا لهم على البقاء في منطقة اسوان والمساهمة في انشاء صناعة سينماتوغرافية محلية. هذا يسمح ايضا للشباب بالعمل في منطقتهم، دون الاضطرار لمغادرة مقرهم العائلي الذي يمثل غالبا عائق بالنسبة للفتيات.
المهرجان يعمل ايضا مع الاولياء لإقناعهم بقيمة هذه المبادرة. الاولياء مشاركون ايضا في مسار تكوين ابنائهم ويقع اعلامهم بالأنشطة المنظمة بالنسبة للشباب. على مر السنين نجح المهرجان في بناء علاقة ثقة مع العائلات والمجتمعات المحلية التي تعترف حاليا بأهمية هذه المبادرة لمستقبل ابنائهم ويسمحون اكثر فاكثر للبنات بالمشاركة فيها. بفضل هذا التعاون الفتيات اللاتي كن “محبوسات” داخل عائلاتهن وقراهن تمكنّ من الانفتاح على العالم.
فضلا عن ورشات التكوين يقدم المهرجان ايضا فرص للقاء محترفين مدعوين، بمناسبة الدورة السابعة التي انتظمت من 5 الى 10 مارس 2023 تمكن الشباب من لقاء المخرجة التونسية سلمى بكار والمخرجان المصريان شريف مندور ومجدي احمد علي والمنتج المصري صفي الدين محمود الذين شاركوا تجاربهم ووجهات نظرهم حول عمليات الكاستينغ.
خلال تدخلها في ورشة تجارب الاداء هذه شاركت السيدة سلمى بكار مسيرتها وطريقتها في اجراء تجارب الاداء للأفلام. في السنوات الاخيرة، بما انها تعيش في تونس بلاد صغيرة تعرف فيها كل الممثلين المحترفين تعودت على التفكير في الممثل او الممثلة للدور الرئيسي من بداية كتابة السيناريو مما قد يؤثر ايضا على خلق الشخصية، مع انها يمكن ان تغير رايها خلال السنوات الفاصلة بين التحرير والاخراج.
بالنسبة للأدوار الثانوية تعتمد على مساعدها ليقترح عليها ممثلين يمكن ان يكونوا محترفين او غير محترفين..
لكن الطريقة هي نفسها بالنسبة للجميع: تعطي نفس الدور الذي سيقع تمثيله لكل المترشحين ثم تبقى مع كل واحد منهم على انفراد وتصورهم بنفسها، تأخذ وقتها لتقرر وتنتظر حتى مشاهدة كل الفيديوهات وتترك الكاميرا هي التي تقرر.
السيدة بكار حكت عن فيلمها حبيبة مسيكة رقصة النار ( 1994) اين اعطت الدور الرئيسي لممثلة مغربية تعيش في باريس سعاد حميدو، بالرغم من انها رأت عدة ممثلات تونسيات، لكن لم تقنعها أي واحدة منهن، زد على ذلك ان الممثلة التي اختارتها تشبه حبيبة مسيكة الحقيقية، مغنية وراقصة وممثلة يهودية في ذلك العهد الذي كان فيه اليهود هم الفنانون في تونس بسبب ان العائلات التونسية المسلمة كانت محافظة.
السيدة بكار سجلت هذه الممثلة في مدرسة رقص شرقي بباريس لتتعلم الرقص، لكنها ندمت على هذا القرار لأنها ادركت انه من الهام ان يكون الممثل او الممثلة مشبعة بثقافة الشخصية حتى يؤديها بصدق، فالرقص الشرقي لا يتلخص في تقنيات معينة، بل ايضا في اساليب وتعابير وسحر.
“نجيب القاضي الشاب في فيلم حبيبة مسيكة رقصة النار
السيدة سلمى بكار شاركت قصة اخرى شدت الجلسة حيث روت كيف اكتشفت الموهوب الممثل والمخرج والمنتج نجيب بالقاضي.
دائما في اطار فيلمها حبيبة مسيكة رقصة النار السيدة بكار بدأت تجارب الاداء بحثا عن الممثل الذي سيتقمص الدور الرئيسي الرجالي، اقترح عليها مساعدها 70 مترشح، الذين ابتدأت في مقابلتهم واحدا تلو الآخر، لكن في احد الايام لاحظت شاب بعيون رائعة لم يكن متواجد هناك من اجل تجربة الاداء، رغم ذلك اصرت على مقابلته والحديث معه فانبهرت فورا بمعرفته العميقة بعالم السينماتوغرافيا.
بعد ان رأت الـ70 مترشح الاولين قررت السيدة بكار لقاء 35 آخرين، من بين هؤلاء الـ105 مترشح اختارت 10 كمترشحين نهائيين من بينهم الشاب ذو العيون الرائعة المسمى نجيب بالقاضي. قررت ان تجري نفس تجربة الاداء لكل المترشحين النهائيين والمتمثلة في لعب مشهد حب، لكن عندما حان الوقت ليؤدي نجيب بالقاضي التجربة لم يحفظ دوره فارتجل مشهد حب اثر فورا في السيدة بكار التي اعجبت بموهبته الطبيعية وسحره.
هكذا تم اختيار نجيب بالقاضي ليلعب الدور الرجالي في حبيبة مسيكة، من وقتها عرف مسيرة مهنية لامعة في صناعة السينماتوغرافيا التونسية والعالمية متحصلا على عديد الجوائز والاوسمة عن اعمال من اخراجه. هذا المثال يبرز كيف ان لقاء صدفة يمكن ان يغير مسار حياة شخص ويقوده الى نجاح لا يصدق.
السيدة بكار اكدت على اهمية الشغف والموهبة الطبيعية، لاحظت ان موهبة التمثيل لا يمكن ان تدرس ولكن يجب تنميتها ودعمها. هذا بين ايضا ان المهارات التقنية يمكن تعلمها، لكن موهبة حقيقية لا يمكن تدريسها ويجب اكتشافها وتشجيعها.
“الممثلتين سوسن معالج وربيعة بن عبد الله في فيلم خشخاش زهرة النسيان
السيدة سلمى بكار روت مثال ثالث عن تجارب الاداء يتعلق بفيلمها خشخاش زهرة النسيان (2005) والذي وجدت صعوبات في العثور على الممثلة المثالية لتقمص شخصية الام الشابة.
بعد اسابيع من البحث وعشرات التجارب، السيدة بكار وقعت على مشهد لربيعة بن عبد الله في فيلم موسم الرجال (2000) لمفيدة التلاتلي وقررت التواصل معها. ربيعة التي كانت في “ليون” تسلمت السيناريو وفي اليوم الموالي بعثت للسيدة بكار تقريرا حول طريقتها في تصور ادائها للشخصية، منبهرة برقتها وعمقها قررت السيدة بكار التنقل الى ليون لمقابلتها شخصيا.
السيدة سلمى بكار كانت ستقيم بنزل لكنها انتهت بقبول دعوة ربيعة للاقامة لديها، خلال ثلاثة ايام ناقشتا كل شيء الا الدور، بما ان ربيعة كانت في حداد بعد موت اختها، هذا القرب سمح لهما بالتعرف اكثر، وادركت السيدة بكار بان ربيعة هي الممثلة المثالية للدور.
هذه الفترة التي امضتها لدى ربيعة كانت حاسمة بالنسبة للسيدة بكار لأنها تمكنت من فهم الشخصية التي ابتكرتها ورأت في ربيعة الخصال اللازمة لتقمصها. هذا اللقاء كان له ايضا اثر على السيدة بكار التي لامستها رقة واحساس ربيعة عندما تحدثت عن اختها. هذه القصة تبرز تعقيد عمليات تجارب الاداء كيف ان الاختيار يمكن ان يتأثر بعوامل شخصية وعاطفية.
خلال نفس عملية تجارب الاداء هذه المخرج والمنتج شريف مندور شارك قصة مثيرة للاهتمام ، فقد كان يعمل منتج مع المخرج المصري هشام عيساوي الذي عاش بالخارج 30 سنة ولا يعرف الممثلين المصريين، مندور اقترح روبي لاحد الادوار بالفيلم، عندما هاتفها اجابت انها في وسط مدينة القاهرة صحبة اختها والتي لم تكن ممثلة وانها تلبس حجاب حتى لا يقع التعرف عليها، رغم ذلك اتت للموعد. المخرج لاحظ الاخت ميريهان مجدي وانتدبها لأداء دور في فيلم الخروج من القاهرة (2010)، هذه الفرصة كانت الانطلاق للمسيرة المهنية لميريهان التي نالت عدة جوائز عن الاداء.
“الممثلة المصرية ميريهان مجدي في فيلم الخروج من القاهرة
اوضح شريف مندور ان معايير الاختيار تشمل عامة المظهر والعمر وميزات خاصة بالدور مثل الصوت والنظرة، كتّاب السيناريو والمخرجون عادة ما تكون لهم صورة عن الشخصية المزمع تقمصها ويبحثون عن الممثل الذي يتناسب اكثر مع هذه الصورة، من الهام ايضا ان تكون شخصيات كل من الممثل والمخرج والشخصية منسجمة، في نهاية المطاف يجب ان يكون هنالك حب من اول نظرة بين المخرج والممثل حتى يتمكنا من العمل معا.
تدخل ايضا المنتج صفي الدين محمود اثناء ورشة تجارب الاداء هذه واضاف: ” بدأت مهنتي بالتردد على مكاتب تجارب الاداء، لكنني لم احب ذلك، فبدأت بالتردد على المسارح وهناك اكتشفت احسن الممثلين. نصيحتي للشباب هي التالية: قوموا بأعمال مسرحية لان هناك تكونون مرئيين اكثر، حتى في مسارح الهواة، لأنه على الركح تظهر موهبتكم. الممثلة عبلة كامل تم اكتشافها على الركح مثل سلوى علي ايضا، لا تحتقروا المسرح ظنا منكم انكم تفضلون السينما، ابدؤوا بالمسرح لأنه يمنحكم تجربة رائعة، يعلمكم كيف تتحركون وكيف تتكلمون وكيف تشغلون المساحة”.
نائلة ادريس
نقاش حول هذا المنشور