يوافق مثل هذا اليوم، تاريخ ال3 جانفي 2007 عندما تمكن الأمن الوطني من القضاء على مجموعة إرهابية قرب مدينة سليمان.
ويروي المؤرخ التونسي محمد ذويب أن الوقائع انطلقت حينها من جبل “بو كافر” في معسكر للجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر، حيث تلقى المدعو لسعد ساسي البالغ من العمر 37 عاما أوامر من قيادة الجماعة بالتوجه إلى تونس لتكوين خلايا جهادية.
ولسعد ساسي المكنى بـ” أبي الهاشمي ” كان عنصرا سابقا في الحرس الوطني التونسي، حارب في البوسنة وتدرب في مراكز تدريب القاعدة في أفغانستان قبل أن يلتحق بالجماعة السلفية للدعوة والقتال.
وتمكن لسعد ساسي من إقناع أربعة تونسيين بالتعاون معه لتكوين خلايا مسلحة بتونس، وهم محمد الهادي بن خليفة وزهير الريابي ومحمد محمودي وطارق الهمامي. كما تمكن من إقناع مواطن موريتانى يدعى محمد مقام (شُهر شكري) بالإنضمام إلى مجموعته. وهكذا شكّل هؤلاء الستة النواة الأولى لمجموعة إرهابية اطلقوا عليها تسمية “جند أسد بن الفرات”.
وفي الليلة الفاصلة بين 22 و23 أفريل 2006 تسللت المجموعة إلى التراب التونسي عن طريق منطقة “بوشبكة” المحاذية لجبل الشعانبي بعد مسيرة دامت قرابة 4 أيام، وكانت لديهم 4 بنادق كلاشنكوف وبعض القنابل اليدوية وأجهزة إتصال.
وفي 25 أفريل (2006) توجه لسعد ساسي ومحمد الهادي بن خليفة إلى مدينة القصرين لشراء بعض المؤونة وبطاقات للهاتف الجوال قبل العودة إلى مخيمهم للتخفي. وفي الأثناء حاول محمد المحمودي التوجه إلى مدينة صفاقس للإختفاء عند أحد أقاربه، وهناك ألقي القبض عليه صحبة قريبه حيث كان بحوزته قنبلة يدوية ومبلغ مالي.
وعندما يئس من عودة صديقه محمد علي، قرر لسعد ساسي ورفاقه تغيير مخبئهم والبحث عن ملاذ آمن وجدوه عند وائل عمامي تاجر الألبسة بالأسواق الذي يمتلك سيارة من نوع RENAULT EXPRESSS يتنقل بها في سفراته العديدة دون أن يثير الشكوك حوله.
وقام وائل عمامي بربط مجموعة لسعد ساسي بكل من مجدي العمودي والصحبي المسروقي الأعضاء بخلية إرهابية بتونس العاصمة. وفي بداية شهر جوان إستقرت المجموعة عند مجدي العمري بحي شعبيّ بضاحية حمام الأنف.
وبقي أمام المجموعة آنذاك أن تقوم بتحويل الأسلحة المخبأة في مكان قريب من مدينة القصرين إلى الضواحي الجنوبية للعاصمة، فتطوع رمزي العيفي للقيام بذلك بمساعدة 3 طلاب يدرسون بالمعهد الأعلى للدراسات التكنولوجية بسيدي بوزيد وهم أعضاء مجموعة طلاّبية سلفية كان من ضمنهم ربيع باشا أصيل مدينة سليمان. والأمر المذهل في عملية نقل الأسلحة أن المجموعة إنتقلت في ذهابها إلى المخابىء عن طريق سيارة وعادت عن طريق حافلة محملة بقطع السلاح مفككة في حقائب دون التفطن إليها…!
وخلال صيف وخريف 2006 إنتقلت المجموعة التى بلغ تعداد أفرادها 20 شخصا عبر مخابىء متعددة دون الإبتعاد عن حمام الأنف والزهراء وحمام الشط. كانت المجموعة تخطط لضرب منشآت حيوية ومصالح أجنبية وإستهداف شخصيات تونسية وأجنبية، ولكن لم تكن خطتها قد قطعت أشواطا كبيرة بعدُ.
وعند بداية شهر ديسمبر 2006 وقع دمج كل المجموعات السلفية في تنظيم واحد، واختير لسعد ساسي أميرا لما أطلقوا عليه “جند الأسد بن الفرات ” وإستقروا في الغابات المحيطة بــ”عين طبرنق” القريبة من مدينة قرنبالية وشكلوا معسكرات هناك في منطقة كثيفة الأشجار بعيدة عن الأنظار.
وفي الأثناء بقيت مجموعة صغيرة بمنطقة حمام الشط، وكان معهم بعض المؤن والمتفجرات ومبلغ من المال. ولكن في الليلة الفاصلة بين 23 و24 ديسمبر حوصر المنزل الذى كانت تتحصن فيه هذه المجموعة الأخيرة من قبل قوات الأمن.
وخلافا للشائعات التى راجت بخصوص عملية إكتشاف المجموعة، والتى ربطت عملية الكشف بملاحظة دقيقة قام بها الخبّاز الذى إستراب في أمر مجموعة من الشباب الذين كانوا يشترون الخبز بكميات كبيرة، فإن السبب الحقيقي وراء عملية المداهمة هو إيقاف أحد أعضاء خلية سوسة وهو أسامة حاجي والذى دلّ الشرطة على مكان مجموعة حمام الشط، أما وائل عمامي صاحب سيارة RENAULT EXPRESSS فقد تم إعتقاله بسيدي بوزيد.
وبالتزامن مع عملية الإعتقال الأخيرة وقع تطويق المخبإ بحمام الشط وطُلب من المتحصنين فيه الإستسلام فردّ هؤلاء بإطلاق النار فأصيب على الأقل 3 من أعوان الشرطة، وقتل إثنان من المجموعة الارهابية، وتمّ إيقاف شخص ثالث في حين استطاع أحد الارهابيين الفرار وقد تمكنت قوات الشرطة من حجز بندقيتي كلاشنكوف و315 طلقة بالإضافة إلى مبلغ مالي.
وأحد الموقوفين (ويدعى مكرم) وقع إصطحابه ليدلّ أعوان الأمن على مكان عسكرة المجموعة الرئيسية بعين طبرنق. وبما أن الطريق طويل فقد طَلب من اعوان الأمن المرافقين له الإذن بالصلاة فسمحوا له بذلك..! وفي غفلة منهم تمكن من الفرار وقام بتحذير رفاقه بإنكشاف أمرهم..!
وقام لسعد ساسي بإصدار أوامره لمجموعته بالصمود. كانت المجموعة المكونة من 20 فردا تمتلك خمسة قطع كلاشنكوف وبعض الآلاف من الطلقات وبعض القنابل اليدوية بدائية الصنع. تمكنت المجموعة من الصمود إلى غروب الشمس حيث طلب منهم لسعد ساسي التوجه إلى مكان آخر.
ومن الغد إنقسمت المجموعة إلى أربعة : فكانت الأولى بقيادة لسعد ساسي والمتكونة من أفضل العناصر المقاتلة، وهم محمد الهادي بن خليفة وشكري الموريتاني ومكرم جريد وربيع باشا والصحبي المسروقي ومهدي الماجري ورياض ميري.
أما المجموعات الثلاثة الأخرى فقد وقع إلقاء القبض عليها واحدة تلو الأخرى وكان من ضمنها حسنين العيفة الذى قام بتفجير نفسه عند إلقاء القبض عليه مما تسبب في مقتل ضابط في الجيش التونسي. أما الآخرون فقد إستسلموا دون مقاومة ما عدا صابر الراقوبي الذى ألقى بقنبلة يدوية لم تنفجر على أفراد الشرطة، ويعتقد أن هذه الحركة هي سبب الحكم عليه بالإعدام في ما بعد.
وحدها المجموعة المحيطة بأميرها لسعد ساسي تمكنت من الفرار والوصول إلى مدينة سليمان أين وقعت المواجهات النهائية التي قُتل على إثرها لسعد ساسي وذلك في مثل هذا اليوم 3 جانفي من سنة 2007. أما ربيع باشا وشكري الموريتاني فقد إلتحقا بمنزل الأول حيث لحقتهما قوات الأمن التى قامت بتصفيتهما بعد مواجهة طويلة. فيما لجأ كل من محمد الهادي بن خليفة والهادي بن جريد والصحبي المسروقي ومهدي الماجري ورياض الميري المتحصنين بقطعتي كلاشنكوف وقنابل يدوية الصنع إلى أحد المنازل (كان بصد الإنشاء)، حيث وقع تطويقهم من قبل قوات الأمن؛ وبعد مواجهات شرسة وطويلة تم القضاء عليهم جميعا.
ويشار إلى أن “عملية سليمان” أسفرت عن إستشهاد إثنين من عناصر الأمن الوطني، وقتل 12 إرهابيا. بينما تم القبض ومحاكمة بقية الإرهابيين والمتواطئين معهم.
وفي 19 فيفري 2011، تم الإفراج عن المسجونين في هذه الحادثة بموجب العفو التشريعي العام، وانخرط جزء منهم من جديد في الحركة السلفية التونسية وتزعموا خلايا إرهابية وفيهم من شارك حتى في الهجوم على مدينة بن قردان فجر 07 مارس 2016.
وكشفت حينها مجلة “جون أفريك” في عددها الصادر بتاريخ 6 جانفى 2008 ما إعتبرته المجلة سبقًا صحفيًّا أوردت تفاصيل قام بجمعها مراسلها الخاص إلى تونس حول ملابسات المواجهات المسلحة التى وقعت بين الأمن التونسي وما اصطلح على تسميته بـ “مجموعة سليمان” الارهابية.
المصدر: المؤرخ محمد ذويب
نقاش حول هذا المنشور