أدلى رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي بحوار الى جريدة القدس العربي حول الوضع السياسي بالبلاد والمستجدات على الساحة الوطنية وعلاقات تونس الإقليمية والدولية.
وتحدث الشابي عن علاقة تونس بجارتها الغربية الجزائر قائلا:” شعوري العميق أن تونس والجزائر شعب واحد في دولتين، وهذا الشعور ليس مبعثه العاطفة، وإنما الحقائق الإثنية والثقافية والتاريخية والدينية والجغرافية. وشخصياً، استفقت سياسياً على وقع الثورة الجزائرية التي كانت ملحمة من الفداء، كما التجأت بعد خروجي من السجن إلى الجزائر، ولما بلغت الحدود ورأيت يافطة “الجزائر ترحب بكم” قبّلت التراب الجزائري عرفاناً لشهداء الثورة التي حولت الجزائر إلى ملاذ لكل اللاجئين السياسيين في العالم”.
وتابع بالقول : “لكن على المستوى السياسي، نحن دولتان، ويجب أن نراعي هذا الواقع، حتى لو كنا نطمح إلى شكل من الوحدة (وحدة السوق أو وحدة فيدرالية أو كونفيديرالية). ولا نؤاخذ الجزائر إطلاقاً على العلاقة الجيدة مع تونس فهذا واجبها. ولو كنت ممثلاً للدولة التونسية لحرصت أن تكون العلاقة ممتازة مع الجزائر. وأن تتحمس الجزائر لتونس ككيان في وجه الضغوط الخارجية فهذا رأي أحترمه تماماً، ولكن ما لا يمكن أن أقبله هو أن يتدخل مسؤول جزائري (في إشارة لتبون)، مهما كان حجمه في شأننا الداخلي، ويدعو التونسيين مثلاً للتصويت لدستور قيس سعيد”.
وأضاف: “كما أنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك واتهموا المعارضة التونسية بأنها غير وطنية وستفوّت في وطنها وتظل تبحث عن وطن آخر، بينما الجزائر تعطي الأولوية للحفاظ على الوطن التونسي. فهذا مستوى لم يكن مطلوباً أن تخطوه السلطة الجزائرية، وهنا أجبنا بكل وضوح بأن أهل مكة أدرى بشعابها، وأننا لسنا بحاجة إلى دروس في الوطنية. فنحن أبناء هذا الوطن، وأدرى بمصالحه، ونحن المسؤولون عنه، ولا أحد غيرنا”.
وإعتبر الشابي أن الخلاف مع الجزائر محدود، ويتمنى أن يبقى محدوداً، ولا يؤثر على مستوى العلاقات بين تونس والجزائر، فمهما حدث، مصيرنا واحد، ويجب أن نبني معا مصيرنا المشترك، وفق تعبيره.
وحول الجدل المثار حالياً بشأن مذكرة التفاهم مع الاتحاد الأوروبي، وحديث البعض عن تحوّل تونس لـ “حارس حدود” لأوروبا، قال الشابي: “العلاقات بين تونس وأوروبا وطيدة ومستمرة منذ قرون. لا يعني أنها كانت دائماً على ما يرام، فتونس عانت من الاستعمار الفرنسي لأكثر من سبعين عام، ولكن علاقات التبادل التجاري الاقتصادي والتواصل البشري قديمة، وفي الوقت الراهن تمثل أوروبا أهم شريك اقتصادي لتونس، و80 في المئة من مبادلاتنا التجارية هي مع الاتحاد الأوروبي، كما أن الاستثمارات الأجنبية أغلبها من الاتحاد الأوروبي، فبالتالي العلاقة مع أوروبا قوية ووطيدة، لكن هذا لا يعني أنها متكافئة وعادلة، أو أننا لا نطمح لتغييرها في اتجاه أكثر تكافؤاً وعدلاً”.
وختم: “الاتحاد الأوروبي هو جزء من المنظومة الدولية، وتونس تعاني الآن من أزمة مديونية، وهي واحدة من 54 دولة نامية تحتاج للتفاهم مع صندوق النقد الدولي، وتريد تونس من أوروبا مساعدتها مالياً بغض النظر عن اتفاقها مع صندق النقد الدولي. غير أن الاتحاد الأوروبي يجعل من قضية الاتفاق مع الصندوق شرطاً لتقديم أي نوع من المساعدة، كما أنه يولي مسألة حقوق الانسان أولوية في علاقاته مع تونس، ويشعر بالحرج إزاء ما يجري فيها من تعدٍ على الحريات والديمقراطية. ونحن نطمح لعلاقات أكثر وثوقاً مع أوروبا، بما يساعد تونس على تطوير اقتصادها ويمكّنها من الحفاظ على مقدراتها”.
وتحدث الشابي لذات المصدر عن العلاقة التي تجمعه بحركة النهضة وعن المطالبات بحلها قائلا : “الإسلام السياسي، كظاهرة إيديولوجية ولدت في سبعينيات القرن الماضي وتقوم على تغليب النص على العقل، تراجع في تونس. ولكن الحركة التي ترمز للإسلام السياسي تطورت في اتجاه محاولة التوفيق بين مرجعيتها السياسية المحافظة ومقتضيات الحياة العصرية الديمقراطية، وحققت تقدماً معتبراً”.
وأوضح: “أعتقد أن حركة النهضة كظاهرة ثقافية سياسية في مجتمع إسلامي لها أرضيتها ومكانها ودورها، وهذا الدور لا يمكن أن يكون إلا ضمن الحراك الديمقراطي للبلاد التونسية”.
ويرى الشابي أن تونس تعيش أزمة سياسية كبيرة تسببت في اندثار بعض الأحزاب العلمانية، وتراجع نظيرتها الإسلامية.
ويوضح: “الأحزاب العلمانية لم يبق منها سوى شخصيات اعتبارية، كما أن الحركة الإسلامية في تراجع كبير من حيث تأثيرها في المجتمع وتواجدها التنظيمي، لكنها لم تندثر مثل الأحزاب العلمانية. ومن الصعب التكهن بمستقبل القوى الديمقراطية في ظل هذه الأزمة، لكن يمكن القول إنه لن يخرج عن القاعدة في التمحور حول قطبين. الأول محافظ يعطي للموروث الثقافي والحضاري وللبعد الديني والروحي أهمية في بناء المستقبل. والثاني تحرري يركز أكثر على الإنجازات الاجتماعية والسياسية”.
ويضيف: “لكن هذين القطبين تحت خيمة واحدة وأمة واحدة، كما هو الحال في أمريكا وبريطانيا وفرنسا (يسار ويمين، عمال ومحافظون، جمهوريون وديمقراطيون)، يعبّران عن تلونات مختلفة في ذات الأمة، ويتنافسان على ما هو أفضل للأمة التي ينتمون إليها. ولا أعتقد أن تونس ستخرج عن قانون الديمقراطية هذا”.
ويتابع: “لا أعتقد أن حركة النهضة ستندثر، بل ستعيد تشكيل نفسها في هذا الإطار، وتمثل القطب المحافظ، وسيقابلها القطب “التقدمي” ومكوناته التاريخية التي عصفت الأزمة الحالية بوجودها، لكن كيف ستستعيد الأخيرة أنفاسها وتلعب دوراً في المستقبل، فهذا يدخل في إطار التنبؤ، ولكن لا يمكن أن تخرج تونس عن قواعد السوسيولوجيا السياسية”.
وعلق الشابي على العلاقة بين اتحاد الشغل وجبهة الخلاص قائلا : “ليست لدينا أي خصومة أو عداوة مع اتحاد الشغل، لكنه بادر بمهاجمتنا في وسائل الإعلام، وأدركنا لاحقاً بأنها رسائل موجهة لرئيس الدولة مفادها: “نحن لسنا في المعارضة ونرغب بالتفاهم معكم”، بمعنى هم استباحونا من أجل التقرب من السلطة، ولكنهم لم ينجحوا في ذلك”.
واستدرك: “اتحاد الشغل هو جزء من المجتمع التونسي، وهو أحد مكاسبه، وقد تأسس غداة الحرب العالمية الثانية كمكون ورافد أساسي للحركة الوطنية، وقدم مؤسسه فرحات حشّاد شهيداً للتحرر الوطني، ثم لعب دوراً كبيراً في تونس الحديثة، وشكّل -تحت ريادة الحبيب عاشور- القوة الرئيسية التي فتحت باب الديمقراطية والتعددية في تونس منذ عام 1978، وظل قوة تقدمية في المستوى الاجتماعي، كما ساهم في التحرر السياسي إلى عهد ليس ببعيد”.
وأضاف: “نحن نطلب من اتحاد الشغل أن يكون وفياً لتقاليده، وأن يكون في مستوى التحديات التي تعيشها تونس. لكننا نحترم قرارهم السيادي، فبإمكانهم أن ينظروا للأمور كما يريدون، ولكن نحن لم نقطع الأمل بأن يستيقظوا ويستعيدوا دورهم الأساسي، فلهم ثقل اجتماعي لو وضِع في كفة التغيير لكان عاملاً هاماً، حتى لا أقول حاسماً”.
ويرى الشابي أن القيادة الحالية لاتحاد الشغل “اختارت أن تضع نفسها تحت سقف الانقلاب. فهي ترى أن 25 جويلية كان فرصة للشعب التونسي، رغم أن كل الأحداث لا تؤيد هذه الفكرة. كما أن الاتحاد الآن مستهدف من قبل السلطة، فالعديد من النقابيين في السجن، وآلاف المعلمين محرومون من رواتبهم، وعشرات الآلاف من الموظفين مهددون بالتصفية، بعدما أوصى الرئيس بتطهير الإدارة ممن دخلوا بعد الثورة على أُسس سياسية، ورغم ذلك فالاتحاد لا يحرك ساكناً للدفاع عن نفسه والمنخرطين فيه. نحترم موقفه ولا نشاطره إياه، ونقول إن هذا الحال غير طبيعي، ولا يمكن أن يدوم، ولا يمكن أن نلعن المستقبل، ويدنا ممدودة دائماً تجاه الاتحاد”.
وحول امتناع “جبهة الخلاص” عن التواصل مع الرئيس سعيد أملاً بإقناعه بتعديل تدابيره الاستثنائية، يقول الشابي: “لو رأيت قيس سعيد يستمع إلى مؤيديه، فربما أكون قد قصرت في التواصل معه، ولكنه لا يجيب أحداً، ويعتبر من يخالفه الرأي ليس خصماً بل عدواً، كما أنه لا يحاور من يناصره، بل يريد الإبقاء على مسافة معه. اُنظر إلى “الأحزاب” التي ساندت قيس سعيد في بداية انقلابه، أين هي الآن؟ إما في موقع المعارضة أو على هامش الحياة السياسية”.
ويرى الشابي أن تونس تعيش حالياً “مرحلة ليس لديها مقومات البقاء، ولا يمكن تشبيهها بما عرفناه في الماضي. ففي الماضي كان لدينا استبداد مستنير، بمعنى أن من كانوا قائمين على الحكم كانت لهم رؤية ودراية وكانوا يقدمون منجزات في المجال الاقتصادي والاجتماعي والعلمي.
أما اليوم فالسلطة الحالية لم تقدم أدنى إنجاز منذ أن استولت على الحكم، وكل ما تفعله هو قمع السياسيين والنقابيين والمدونين ورجال الأعمال والموظفين. كما أن وزراء، على غرار توفيق شرف الدين وعثمان الجرندي، كانوا يبدون وكأنهم من أركان الحكم، تمت إقالتهم بجرة قلم! والسلطة الحالية مستبدة وعاجزة، وهذا العجز هو الذي ينسف مقومات استمرارها”.
ويؤكد أنه لا يمكن أن نتوقع شكل أو توقيت الثورة ضد الرئيس قيس سعيد، لكن “يمكن أن نجزم بأن انفجاراً سيقع، ولست الوحيد في هذا التكهن، فالإيطاليون الذين يعملون قصارى جهدهم لإعانة الرئيس الحالي يحذرون الأوروبيين بأن تونس على وشك الانهيار، كما أن ماكرون وبلينكن عندما يتحدثان عن تونس يؤكدان هذا الأمر. إذن علامات الانهيار بادية لمن يريد أن يرى، ولذلك الحديث عن أن تونس على كف عفريت ليس من باب المبالغة”.
ويستدرك بقوله: “صحيح أن السلطة الآن تبدو وكأنها “مستقرة” وأن الرأي العام يكابد المعاناة اليومية، لكنه ما زال لا يربط بين عجز هذه السلطة وأسباب معاناته، لكن هذه الأشياء تتحول تحت فعل ووقع الأزمة الحادة جدا في تونس”.
وكان الشابي استشرفَ حدوث ثورة أو “زلزال اجتماعي” ضد بن علي، لكنه لم يتوقع أن يؤدي لسقوط نظامه.
وأوضح ذلك بقوله: “كنت أشعر أن الأرض تتحرك، وبأن زلزالاً سيقع، لكن لم أتوقع إطلاقاً أن تكون نتيجته سقوط النظام. كنت أعتقد أن النظام سيضعف لدرجة أنه سيغير سياسته، ويبحث عن سبل للتفاهم مع ممثلي المجتمع، لكن كان الزلزال من العنف لدرجة أنه أودى بالحكم في ظرف أربعة أسابيع، ولا أعرف أحداً، سواء من بين التونسيين أو الفاعلين الدوليين، كان يتوقع هذا الزلزال وتداعياته”
نقاش حول هذا المنشور