لا يزال ملف الأموال المنهوبة يراوح مكانه رغم المحاولات المتكررة لاثارة هذا الملف سواء على المستوى الديبلوماسي أو التشريعي.
وحسب الخبراء فان قانون الصلح الجزائي ستكون له بالتأكيد انعكاسات إيجابية لكن الاشكال يبقى متعلق بالأموال التي تم نهبها وتهريبها الى الخارج وهذه العملية تتطلب إجراءات معقدة وصدور أحكام باتة ونهائية لاسترجاعها.
110 مليار دينار هربت خلال هذه السنوات
وتطرقت عديد التقارير المحلية والدولية لحجم الأموال المنهوبةوالمهربة من بلادنا.وفي دراسة قام بها مركز دراسات تابع لجامعة ما ساشوستش الأمريكية أثبتت أنه تم خلال الفترة الممتدة بين 1970 و2010 تهريب ونهب حوالي 39 مليار دولار أي حوالي 110 مليار دينار تونسي كما تطرق الى حجم الأموال المهربة في الجزائر ومصر والمغرب.
واستند تقرير مركز الدراسات على ميزان الدفعات للدول المذكورة وكذلك حجم التحويلات المالية الموثقة.وحسب نفس الدراسة فان 85 بالمائة من الأموال المهربة وقعت في عهد حكم بن علي.
وكشف المستشار الجبائي لسعد الذوادي أن تعطل استرجاع الأموال المنهوبة طيلة السنوات الماضية مرده وجود عديد الثغرات في التشريعات وكذلك المبادرات و التي تم تقديمها مؤكدا في هذا الصدد أن الأموال المنهوبة لا توجد فقط في أوروبا بل أيضا في الخليج وهي تعد بألاف المليارات.
وافاد الذوادي أن نهب الأموال وتهريبيها يتم من خلال عديد الطرق سواء عن طريق التلاعب بفواتير التوريد والتصدير أو من خلال الشركات الأجنبية الوهمية التي لا يتجاوز رأس مالها بضع مئات الدولارات.
أموال منهوبة بعنوان قروض دون ضمانات
وهناك ديون أخرى يعتقد الخبراء أنها تدخل أيضا في خانة الأموال المنهوبة والحديث هنا عن الديون المصنفة أو المشكوك في عملية استخلاصها لدى عدد من المؤسسات البنكية وخاصة البنوك العمومية وتتراوح قيمتها بين 12500 و13500 مليون دينار من بينها حوالي 5000 مليون دينار للبنوك العمومية هذا فضلا عن القروض التي تم منحها خلال فترة حكم بن علي خاصة لفائدة عدد من رجال الأعمال وتقدر بحوالي 7 ألاف مليون دينار دون أن يتم ارجاعها وهو من الملفات التي تطرق اليها مرصد الحوكمة والشفافية وطالب في أكثر من مناسبة بضرورة وضع برامج لاسترجاعها.
وفي تصريح سابق له رجح وزير أملاك الدولة السابق حاتم العشي قيمة الأموال المنهوبة بحوالي 60 مليار دولار وقع نهبها منذ سنة 1960 من بينهم 20 ألف مليار منذ عهد بن علي وذلك الى حدود سنة 2019 وذلك استنادا لتقرير صادر عن منظمة النزاهة المالية الدولية.
تحويلات غير قانونية.. تهريب وتبييض أموال
كشف تقرير أصدره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية استنادا على دراسات جامعية دولية أن حجم الأموال المهربة في فترة نظام بن علي والممتدة بين 1987 و2010 ناهزت حوالي 39 مليار دولار مثلت 88.1 بالمائة من الناتج المحلي الخام سنة 2010 وحسب التقرير فان تهريب الأموال يتم بصفة قانونية وغير قانونية باعتبار أنه الى جانب التحويلات المتنوعة والقانونية هناك أيضا تهريب متنام وغير قانوني للأموال.
وتتم عملية التهريب خاصة عبر المؤسسات غير المقيمة والتي بلغ عددها حوالي 29 ألف مؤسسة سنة 2018 مقابل 6100 مؤسسة خلال سنة 2002 وهو ما يؤكد تضاعف عدد هذه الشركات حوالي 6 مرات خلال الفترة المذكورة.
من جهة أخرى تم الكشف عن عمليات تزوير وتلاعب بفواتير التصدير والتوريد وهي عمليات كبدت الدولة خسائر بمئات المليارات كما تم الإطاحة بعشرات الشبكات التي تنشط في مجال تهريب الأموال وتمكنت مصالح الديوانة التونسية مؤخرا من حجز حوالي 1.5 مليون دينار وذلك اثر القيام بمتابعة عدد من الملفات تخص شركات تورطت في التلاعب والتهريب وتبييض الأموال.ويبدو أن الأبحاث متواصلة بخصوص عشرات الملفات الأخرى.
إجراءات تقييدية
ورغم قرارات تمديد عملية التجميد من قبل الاتحاد الأوروبي ودول أخرى بطلب من السلطات التونسية طيلة عقد كامل من الزمن الا أن الحكومات المتعاقبة فشلت في استرجاع الأموال المنهوبة وقد دخلت مؤخرا قرارات رفع التجميد حيث أعلن الاتحاد الأوروبي موفى شهر جانفي 2024 عن قرار مجلسه رفع التجميد عن أموال وأملاك عدد من أفراد عائلة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي حيث تم حذف أسماء عدد من الأسماء من قائمة الأشخاص التونسيين المشمولين باجراءات تقييدية كان المجلس قد أعلن عنها في قراره عدد 72 2011 والمؤرخ بتاريخ 31 جانفي 2011
الصلح الجزائي.. تبسيط الإجراءات لاسترجاع المليارات
وتبقى الأمال عالقة على قانون الصلح الجزائي الذي تم تنقيحه مؤخرا ونشر بالرائد الرسمي وذلك في انتظار صدور قرارات تسمية أعضاء لجنة الصلح.
ويعتقد الخبراء أن القانون سيمكن من استرجاع جزء من الأموال المنهوبة لكن استحالة تحقيق الأرقام المنشودة والمقدرة بحوالي 13500 مليون دينار نظرا لتغير عديد المعطيات منذ الثورة لنه يبقى قانون هام خاصة أن هناك عديد رجال الأعمال بما في ذلك الصادرة في شأنهم بطاقات إيداع بالسجن عبروا عن نيتهم الانخراط في منظومة الصلح الجزائي ويمكن الافراج عن الموقوفين في قضايا نهب المال العام شريطة تأمين 50 بالمائة من المبلغ المطلوب والتقيد باجراءات الصلح مع الأخذ بعين الاعتبار الإجراءات الاحترازية مثل تحجير السفر الى حين استكمال عملية الصلح.
وقد دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقائه بوزيرة العدل ليلى جفال ووزيرة المالية سهام بوغديري نمصية الى ضرورة الإسراع بتشكيل لجنة الصلح الجزائي بعد أن تم ادخال تعديلات على المرسوم التي أنشأها وذكر رئيس الدولة بأن الغاية من الصلح الجزائي هو أن يسترجع الشعب التونسي الأموال التي نهبت منه حتى تعود خاصة الى الجهات التي يجب أن تخرج في أسرع الأوقات من دائرة الفقر والتهميش.
نقاش حول هذا المنشور