إعتبر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن النشاط الإرهابي في المنطقة المغاربية شهد تضاؤلا مشكلا بذلك تناقضًا حادًا مع حال أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولكن تغير الديناميات المحلية وعوامل أخرى يمكن أن تعيد إحياء هذا التهديد بسرعة.
وأكد المعهد المذكور في مقاله للماتب ايرون زيلين انه في أعقاب الانتفاضات العربية في عام 2011 أصبحت منطقة شمال أفريقيا (ليبيا وتونس على وجه الخصوص) بؤرة للتعبئة الجهادية على نطاق واسع. ومع ذلك، بعد مرور أكثر من عقد، ساد هدوء نسبي في كل من البلدين والمنطقة بشكل عام، على الأقل في ما يتعلق بالجهادية، وذلك خلافًا للقوة المتنامية للحركة الجهادية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وأكد معهد واشنطن أنه بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي، الرئيس التونسي السابق، ومقتل معمر القذافي، الزعيم الليبي، تأسس في تونس وليبيا عدد من جماعات “أنصار الشريعة”، التي كانت واجهات لتنظيم القاعدة، كما بُذِلت جهود مماثلة، ولكن غير ناجحة في المغرب. وعلى نحو مماثل، حاول تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” المتمركز في الجزائر الاستفادة من البيئة الإقليمية المتغيرة، لكن الدولة الجزائرية استمرت في إضعاف قدراته. وبدلًا من ذلك، انتهى الأمر بالتنظيم بأن يصبح أكثر صلة بالتمرد في مالي في العقد التالي.
وتابع ذات المصدر أنه في السنوات التي أعقبت الانتفاضات، ركزت جماعة “أنصار الشريعة” في ليبيا وتونس في المقام الأول على نهج الدعوة أولًا، وشددت على التوعية والخدمات الاجتماعية والحوكمة البدائية. وبعد أن وجدت جماعة “أنصار الشريعة” في ليبيا نفسها في خضم بيئة حرب أهلية، شاركت أيضًا في نشاط المتمردين ضد أعدائها. كما وفرت القدرة على التجنيد العلني (والتدريب في الحالة الليبية) فرصًا جديدة للجهادية للتوسع في المنطقة. في سوريا، حيث سيطرت “جبهة النصرة”، التابعة لتنظيم “القاعدة” ولاحقًا لتنظيم “الدولة الإسلامية” (“داعش”)، وفرت الجهادية تعبئة واسعة النطاق للمقاتلين الأجانب. ولهذا السبب، شهدت تونس، على وجه الخصوص، تعبئة غير مسبوقة وواسعة النطاق إلى سوريا بين عامي 2012 و2017.
وتابع ذات التقرير أنه شاركت المجموعتان في هجمات ضد “المصالح الأمريكي”ة، وأدت الطبيعة العنيفة لأيديولوجياتهما ورغبتهما في زرع الخوف والاضطرابات، كوسيلة لتحقيق نموذجهما الخاص للدولة الإسلامية، إلى مواجهة حتمية مع الولايات المتحدة. وشكل الهجوم الذي وصفه تقرير المعهد المشار إليه ب”السافر” على القنصلية الأمريكية في بنغازي والهجوم الأقل شهرة على السفارة الأمريكية في تونس في سبتمبر 2012 مثالين بارزين على ذلك وأفضيا إلى زيادة الجهود للقضاء على المنظمتين. ونتيجة للضغوط المحلية، شهدت المنطقة ارتفاعًا في عدد المقاتلين الذين توجهوا إلى سوريا.
وأضاف التقرير أنه في هذا الوقت تقريبًا، بدأ تنظيم “داعش” في حشد الدعم من الحركة الجهادية العالمية. فتم استدعاء المقاتلين الليبيين والتونسيين الذين أُرسلوا إلى سوريا لإقامة الخلافة في ليبيا، حيث سيطر تنظيم “داعش” في نهاية المطاف على رقعة من الأراضي في شمال وسط ليبيا لمدة عامين تقريبًا. كما وفرت هذه الرقعة منصة للتونسيين لتخطيط وتنفيذ عمليات واسعة النطاق من الخارج في بلدهم، أبرزها الهجوم على متحف باردو في مارس 2015، والهجوم على شاطئ سوسة في جوان 2015. وردًا على نمو تنظيم “داعش” محليًا في ليبيا وحملته الإرهابية في تونس المجاورة، استهدفت الولايات المتحدة وحلفائها التنظيم في ليبيا وطردوه من أراضيها بحلول ديسمبر 2016، وفق ذات المصدر. ومنذ ذلك الحين، لم يتعاف بعد التنظيم، على الرغم من أن مجموعة من الأفراد لا تزال في وسط ليبيا في منطقة سبها، ولكن مع عدم وجود تأثيرًا يُذكَر لهم في الحياة اليومية. وعلى نحو مماثل، بدأ مستوى العنف في تونس بالانخفاض بفضل الجهود المتضافرة لمكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد، إلى درجة أن تنظيم “داعش” ما عاد يشكل مصدر قلق للمواطن التونسي العادي بحلول عام 2019.
خلال هذه الفترة الزمنية، حاول تنظيم “داعش” أيضًا التوسع في الجزائر، وأسس فرعًا رسميًا سُمي “ولاية الجزائر”. وكانت أولى عملياته هي اختطاف سائح فرنسي وقطع رأسه. وتمكنت الإجراءات اللاحقة التي اتخذتها قوات الأمن الجزائرية من إحباط تنظيم “داعش” وأفقدته نفوذه محليًا. ومع ذلك، أعلن التنظيم مسؤوليته عن 13 هجومًا في الجزائر بين عامي 2014 و2020 يعود آخرها إلى منتصف فيفري 2020. أما المغرب، على عكس جيرانه، فلم يتعرض لغاية الآن لأي هجوم ناجح لتنظيم “داعش”، حسب المصدر ذاته.
وأكد المعهد الامريكي في تقريره إن وضع الجهادية في شمال أفريقيا عام 2023 صعب جدًا مقارنة بالحركة الأوسع. في هذه المرحلة، لم يعد لتنظيم “القاعدة” وجودًا نشطًا في المنطقة. واعتبر أنه “صحيح أن قادة الجماعة يواصلون إطلاق الدعاية، ولا سيما في محاولة للاستفادة من الحراك في الجزائر في السنوات الأخيرة، لكن تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” لم يعلن مسؤوليته عن أي هجوم في الجزائر منذ فيفري 2018″. وعلى نحو مماثل، لم تعلن “كتيبة عقبة بن نافع” التابعة لفرع تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” في تونس مسؤوليتها عن أي هجوم منذ أفريل 2019، كما تعثرت أنشطة الدولة الإسلامية في المنطقة ككل. وبصرف النظر عن الهجمات القليلة البارزة والحملة الإرهابية المنخفضة المستوى في الجزائر بين عامَي 2014 و2020، فإن الصورة قاتمة أيضًا في ليبيا وتونس اللتين كانتا ذات يوم معقلين موثوقين للحركة.
وأضاف ذات المصدر أنه على سبيل المثال، ابتداءً من 22 ماي 2023، نفذت الجزائر 25 حالة اعتقال تتعلق بالإرهاب حتى الآن، بينما نفذ المغرب 7 اعتقالات وتونس 56 اعتقالًا. وتطغى أيضًا القضية المستمرة المتعلقة بالمحتجزين بسبب ارتباطهم بتنظيم “الدولة الإسلامية”، إذ يُحتجَز حاليًا مئات من الرجال والنساء والأطفال من دول شمال أفريقيا من الذين انتموا سابقًا إلى التنظيم، طوعًا أو قسريًا، سواء في السجون أو مخيمات النازحين داخليًا في شمال شرق سوريا. ومن دون آليات مناسبة لإعادتهم إلى أوطانهم وإعادة تأهيلهم وإعادة إدماجهم في المجتمع في المستقبل، يمكن أن يشكل هؤلاء المحتجزين معضلات أمنية جديدة وتهديدات لدول شمال أفريقيا. لذلك، حتى لو كانت الجهادية في شمال أفريقيا قد وصلت على الأرجح إلى أدنى مستوى لها من النشاط منذ بعض الوقت، من الضروري إبقاء التركيز على هذه القضية لأن أي ديناميات متغيرة يمكن أن تغير مستوى التهديد الذي تشكله على المنطقة ككل وعلى السكان المحليين أيضًا، وفق نص المصدر المشار اليه.
نقاش حول هذا المنشور