لم يكن يعلم رئيس حركة النهضة والبرلمان المنحل، ‘راشد الغنوشي’، أن أمسية رمضانية بمقر جبهة الخلاص ستقلب كل الموازين ضده، حيث مثل إيقاف ‘الشيخ’ الحدث الأبرز على الساحة الوطنية وحتى الدولية.
• لا تفاصيل واضحة عن مكان الغنوشي هل هو في مركز إيقاف أم المستشفى!
• الخارج يُهاجم السلطات التونسية ويطالب بالإفراج عن الغنوشي
•أي خطوة جديدة سيتخذها سعيّد بعد إيقاف الغنوشي!
الإثنين الـ 17 من أفريل 2023 وأثناء الإفطار، أعوان وحدة مكافحة الإرهاب ببوشوشة وبإذن من النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب يداهمون منزل الغنوشي (81 سنة) ويضعونه رهن الإعتقال، ليظن البعض أن ذلك يأتي ضمن حملة الإيقافات التي شنتها السلطات التونسية ضد عدد من الوجوه السياسية والإعلامية ورجال الأعمال في ما بات يعرف بملف “التآمر على أمن الدول”.
إلا أن مصدر مسؤول صلب وزارة الداخلية قوض في تصريح إعلامي هذه التكهنات، ليكشف في المقابل أن إعتقال الغنوشي يأتي إثر تصريح خطير كان قد أدلى به سابقا.
ومن ثم اتضح أن الإيقاف جاء على خلفية تسريب مقطع فيديو لمحادثة جمعت بين الغنوشي وقيادات من جبهة الخلاص الوطني، اعتبر في فحواها أنّ إقصاء الإسلام السياسي من المشهد يعتبر دافعا لنشوب حرب أهلية بتونس.
وهنا نشير إلى أن رئيس حركة النهضة قد قد ظهر السبت الماضي في أمسية رمضانية بمقر جبهة الخلاص الوطني مصحوبا بالقياديين محمد القوماني وبلقاسم حسن ومسؤول العمل الطلابي في “النهضة” محمد شنيبة الذين تم إيقافهم أيضا على ذمة التحقيق ، أين وصل عدد المحتفظ بهم إجمالا إلى 7 أشخاص، وفي هذا الصدد ندد الغنوشي بالنخب المحتفية بما سماها انقلابات، قائلا “الانقلابات لا يُحتفى بها. الانقلابات ترمى بالحجارة”، مضيفا أنه لا يجب التساهل مع تلك النخب أو التعامل معها بسماحة.
وتابع بالقول، إن “تونس دون إسلام سياسي أو يسار أو أي مكون من المكونات هي مشروع حرب أهلية”، مضيفا أن من احتفوا بما سماه الانقلاب هم انتهازيون وإرهابيون ودعاة حرب.
ماهي نوعية التهمة التي يواجهها الغنوشي وما مدى خطورة ماصرح به!
ساعات بعد الإيقاف عهدت النيابة العمومية لدى المحكمة الإبتدائية بتونس 1 للفرقة المركزية الخامسة لمكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات والاتّصال لمباشرة الأبحاث والاستقراءات وإنجاز التساخير الفنية اللازمة على إثر التصريحات التي أدلى بها الغنوشي.
وهنا كشف الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني حسام الدين الجبابلي أن تصريحات الغنوشي تندرج ضمن أفعال مجرمة متعلقة بالاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب، وفق قوله.
محامي الغنوشي يكذب رواية التصريح!
في أول تعليق له إثر إيقاف منوبه، اعتبر الأستاذ مختار الجماعي محامي راشد الغنوشي، في تصريح إعلامي له أمس الثلاثاء أن ما حصل من قبيل الاختفاء القسري مستبعدا ان تكون التصريحات التي ادلى بها الغنوشي سبب ايقافه.
وفي رده على تصريح وزارة الداخلية بخصوص أن الإيقاف جاء بسبب تصريحات سابقة للغنوشي، أكد الجماعي أن التوضيح كان من المفترض أن يصدر من الجهة التي قدمت الاذن والتي هي وزارة العدل وليس وزارة الداخلية التي تعتبر جهة منفذة، مضيفا ما علاقة التصريحات بمداهمة المنزل والحجز والبحث فيه ؟
يشار إلى أنه تم منع هيئة الدفاع عن الغنوشي من حضور جلسة الإستماع، الأمر الذي جعله يمتنع عن الغدجلاء بأي معطيات أمام ودة مكافحة الإرهاب بالحرس الوطني بالعوينة.
النهضة أول المتفاعلين!
لحظات قليلة بعد عملية المداهمة والإعتقال أصدرت حركة النهضة بلاغا استنكرت فيه بقرار النيابة التي قالت إنه “دون احترام لأبسط الإجراءات القانونية منددة بما أسمته ‘التطور الخطير جدا” مطالبة بإطلاق سراحه فورا، والكف عن استباحة النشطاء السياسيين المعارضين.
ماذا بعد الإيقاف؟
لم يتوقف الأمر عند “إقتحام” منزل الغنوشي وإقتياده للتحقيق، فالبتزامن مع ذلك تمت مداهمة المقر المركزي للحركة بمنبليزير بالعاصمة ، أين طالبت قوات الأمن باخلائه دون اذن قضائي، وفق ماصرح به رياض الشعيبي المستشار السياسي لراشد الغنوشي.
ليتطور الأمر بعد ذلك إلى قرارات بإغلاق كافة مقرات الحزب بما فيها مقره المركزي بالإضافة إلى مكاتبه الجهوية.
كما أعلن وزير الداخلية التونسي، كمال الفقي، منع الاجتماعات في مقرات حركة النهضة ومقرات جبهة الخلاص الوطني.
أين الغنوشي الآن؟
في تصريح مقتضب وخال من التفاصيل، كشف رئيس جبهة الخلاص الوطني التي تعتبر حركة النهضة أحد مكوناتها، أنه تم نقل الغنوشي إلى المستشفى بسبب وعكة صحية تعرض لها أثناء الإيقاف.
كيف تفاعل العالم مع إيقاف الغنوشي؟
مثلت التطورات الأخيرة في بلادنا محور حديث الصحافة العربية والدولية لأشهر ولاتزال.. لاسيما على ضوء ما عاشته البلاد بدأ بأزمتها الاقتصادية وملف مفاوضاتها مع صندةوق النقد مرورا بحملة الإعتقالات التي أطلقتها السلطات منذ نهاية السنة الماضية (أي منذ إيقاف نائب رئيس الحركة ورئيس الحكومة الأسبق، علي العريض في الـ 19 من ديسمبر الماضي)، وصولا إلى قضية الهجرة غير الشرعية وووضعية المهاجرين الأفارقة في تونس.
لتطفو في الأثناء قضية جديدة على السطح مثلت مادة إعلامية دسمة شغلت الصحافة طيلة اليومين الأخيرين.
في الواقع إعتقال الغنوشي لم يكن فقط حديث الصحف وإنما موضوع إهتمام عدة جهات دولية لم تتردد في إبداء رأيها “بكل وضوح” وتوجيه سهام نقدها “اللامحايد” للنظام التونسي الذي أعرب بدوره في أكثر من مناسبة من أنه “يمقط” أي تدخل أجنبي في شؤون تونس الداخلية!
-الغرب:
فمساء أمس الثلاثاء، سارع الاتحاد الأوروبي في إصدار بيان في الغرض أشار من خلاله إلى أنهم “يتابعون بقلق كبير سلسلة التطورات الأخيرة في تونس وإيقاف راشد الغنوشي والمعلومات حول غلق مقار الحزب”، مشدّداً على “أهمية احترام حقوق الدفاع”.
هذا ونقل البيان عن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أنهم في المنظمة، ينتظرون المعلومات الرسمية بخصوص الأسباب الحقيقيقة وراء هذه الإجرات، داعيا السلطات في تونس إل احترام أسس المحاكمة العادلة.
هذا ونوه المسؤول الأوروبي إلى أهمية التعددية السياسية في تونس بإعتبارها أس الديمقراطية وركيزة الأساسية للشراكة بين تونس والاتحاد.
من جهتها أشارت فرنسا على لسان المتحدثة باسم الخارجية، آن كلير لوجاندر إلى أنّ توقيف الغنوشي “يأتي في إطار موجة اعتقالات مثيرة للقلق”.
وذكرت بأن “باريس تؤكد تمسكها بحرية التعبير واحترام سيادة القانون، وتدعو السلطات التونسية إلى ضمان احترام استقلالية العدالة وحقوق الدفاع”.
وفي السياق عينه، أعلنت نظيرتها البريطانية، في بيان لها أمس الثلاثاء أن هذا الإجراء “يقوض مساحة التعددية السياسية في البلاد”.
وقالت الوزارة، في تغريدة على تويتر، نقلا عن لورد أحمد، وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالخارجية البريطانية، “الاعتقالات في تونس، بما فيها اعتقال راشد الغنوشي والقيود المفروضة على المعارضة الشرعية تقوض مساحة التعددية السياسية في البلاد”.
– العالم العربي والإسلامي:
أما جماعة الإخوان المسلمين فقد كانت ردة فعلها ‘أكثر حدة’، حيث طالبت في بالإفراج الفوري عن الغنوشي، مؤكدة أن الإقدام على مثل هذا التصرف ضد “رمز فكري وسياسي “جاوز الثمانين من عمره، وفي وقت الإفطار في شهر رمضان، هو جريمة جديدة تضاف إلى السجل الأسود لمن انقلبوا على إرادة شعوبهم، وفق نص بلاغ صادر عنهم.
وإعتبرت الجماعة “إن الممارسات القمعية و الاستبدادية التي تولدت عقب الانقلابات في المنطقة العربية لا تفرز إلا مثل هذه الجرائم التي لا تفرق بين إسلامي أو غير إسلامي، ولا تفرق بين شيخ كبير ولا شاب صغير، وسيأتي اليوم الذي تسترد فيه الشعوب إرادتها و مسارها الديمقراطي من جديد”، دائما وفق المصدر ذاته.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وصف الغنوشي “بأخيه”، فقد أكد على هامش في مقابلة أجراها لقناة “تي آر تي” (TRT) التركية مساء أمس الثلاثاء، أنه سيتحدث مع السلطات التونسية لنقل مخاوفه بخصوص إيقاف رئيس النهضة.
وأشار الرئيس التركي إلى أنه سيبلغ السلطات التونسية بمجرّد الاتصال بهم أنّ “إيقاف الغنوشي ليس مناسبا”.
ولكن أين رئيس الجمهورية من كل هذا؟
رد رئيس الجمهورية قيس سعيبد، لم يكن ومباشرا وإنما جاء ضمنيا في خطاب “صارم” ألقاها لدى إشرافه أمس على موكب الإحتفال بالذكرى الـ 67 لقوات الأمن الداخلي، أين اتهم أطراف (في صيغة المجهول) بمحاولة تفجير الدولة من الداخل لتحويل البلاد إلى مجموعة من المقاطعات، مشيرا “نخوض اليوم حرب تحرير وطني من أجل فرض سيادتنا كاملة ولن نتنازل عن أي جزء منها”.
وفي سياق متصل، أهام سعيّد القضاء الذي دعاه إلى ضرورة لعب دوره في هذه المرحلة التي تعيشها تونس حتى يكون في موعد مع إنتظارات الشعب وفي موعد مع التاريخ حتى نبني تاريخا جديدا لتونس.
ودعا في سياق متصل، إلى التصدي لمن يمثلون حجر عثرة أمام تطهير البلاد، قائلا :”نحن نطبّق القانون وكل الإجراءات التي نص عليها ولا نريد أن يظلم أحد ولكن لن نترك الدولة التونسية فريسة لهؤلاء ليعبثوا بها كما يشاؤون”. وفق تعبيره.
منذ الـ 25 من جولية 2021 عاشت الساحة السايسية في تونس على وقع عدة أحداث ووقائع غيرت المشهد وقلبت موازين القوى بين المعارضة والسلطة، فمن كانوا بالأمس مساندين لقيس سعيد وسببا في وصوله إلى كرسي قرطاج باتو اليوم “ألد” الأعداء. تطورات تمخض عنها مولود سياسي جديد جمع من كنا نعتقدو أنهم لن يجتمعوا يوما، نتحدث عن جبهة الخلاص الوطني التي تم تأسيسها في الـ 31 من ماي من سنة 2022، وتضم 6 أحزاب هي “النهضة” و”قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة” و”حراك تونس الإرادة” و”الأمل” و”العمل والإنجاز”، بالإضافة إلى حملة “مواطنون ضد الانقلاب”.
ومنذ ذلك اليوم اتخذت الجبهة من إسقاط نظام الإنقلاب وفق وصفها، وإجهاض مشروع سعيد هدفا لها، إلا أنها لم تجد الطريق معبدا بل ومليء بالمطبات؛ بدأ بالتضييق على مسيراتها وتجمعاتها وصولا إلى إيقاف عدد من أعضائها على غرار غازي الشواشي ورضا بالحاج وشيماء بن عيسى وجوهر بن مبارك.
وهاهي اليوم تقف هي وكافة التيار المعارض في تونس في وجه مطب يبدو أنه الأصعب، فكيف ستتصرف مع حادثة إعتقال زعيم المعارضة، راشد الغنوشين لاسيما وأن السلطة أخذت خطوة إستباقية بغلقها لمقر الجبهة والنهضة.
هذا من جهة ومن جهة أخرى ماهو مصير الغنوشي وبقية الموقوفين، وماهي الخطوة القادمة التي ستتخذها السلطة، فهل ستمضي قدما فيما وصفته بالحرب ضد الفساد والفاسدين والمتآمرين على الوطن أم أنها ستتراجع وتخضع لإملاءات الخارج وظغوطات مكيناته.. لاسيما أنها بين خيارين لا ثالث لهما إما أبيض أو أسود!
نقاش حول هذا المنشور