بينما يضيء العالم شوارع مدنه احتفاءً بالعيد، يعيش المسيحيون في سوريا عيدًا مختلفًا، تملؤه المخاوف والتهديدات. حادثة إحراق شجرة عيد الميلاد في السقيلبية بمحافظة حماة كانت ضربة قاسية للمجتمعات المسيحية في سوريا، رسالة حملت معها ظلال الخطر الذي يهدد بطمس وجود الأقليات تحت حكم هيئة تحرير الشام (HTS).
رمز الأمل يتحول إلى رماد
في السقيلبية، كانت شجرة عيد الميلاد أكثر من مجرد زينة احتفالية. كانت رمزًا للأمل والبقاء وسط سنوات طويلة من الصراع. لكن إحراقها هذا العام كان بمثابة رسالة واضحة للسكان: “لا مكان لكم هنا.”
إحدى السكان قالت: “كانت الشجرة تمثل قدرتنا على الاستمرار رغم كل شيء. عندما أُحرقت، كان ذلك بمثابة إعلان بأننا غير مرحب بنا.”
هذا العمل التخريبي دفع بالمجتمع المسيحي إلى الخروج عن صمته، حيث شهدت دمشق مظاهرات احتجاجية رفع خلالها المسيحيون الصلبان واللافتات التي تطالب بحمايتهم. أحد المتظاهرين قال: “نريد أن نعيش بدون خوف، فقط نعيش كبشر. هل هذا كثير؟”
من معلولا إلى السقيلبية: استهداف الأقليات مستمر
الهجوم على شجرة عيد الميلاد يعيد للأذهان حادثة اقتحام بلدة معلولا عام 2013، حين استهدفت هيئة تحرير الشام دير مار تقلا واختطفت 13 راهبة. حينها، كان الهدف واضحًا: ضرب رمزية المجتمع المسيحي وإرسال رسالة تخويف.
إحدى الراهبات اللواتي أطلق سراحهن لاحقًا وصفت التجربة بقولها: “لم نكن سوى ورقة ضغط لتحقيق أهدافهم. لم يكن هناك أي احترام لعقيدتنا أو إنسانيتنا.”
اليوم، وبينما تسعى الهيئة لإعادة تقديم نفسها كجماعة معتدلة وقادرة على الحكم، فإن ممارساتها مثل إحراق الرموز الدينية تستمر في تأكيد أن الهدف لم يتغير: فرض أيديولوجية ترفض التنوع.
الأكراد والإيزيديون: ضحايا التهميش المزدوج
إلى جانب المسيحيين، تحمل الأكراد والإيزيديون نصيبهم من الاستهداف. في المناطق الكردية مثل عفرين، تم تهجير آلاف الأسر وتدمير القرى بحجة محاربة “الانفصاليين”. أحد المدرسين الأكراد قال: “لقد فقدنا منازلنا وأرضنا، فقط لأننا أكراد. إنهم لا يريدون وجودنا.”
أما الإيزيديون، الذين تعرضوا لإبادة جماعية على يد داعش، فقد وجدوا أنفسهم في مواجهة أيديولوجية مشابهة. أحد الناجين الإيزيديين قال: “هربنا من جرائم داعش لنجد أنفسنا أمام عدو يحمل نفس الكراهية.”
الحرية المشروطة: هل يكون التنوع الضحية؟
رغم أن العالم احتفى بفكرة الحرية القادمة إلى سوريا، إلا أن هذه الحرية تبدو مشروطة، حيث يدفع التنوع الثقافي والديني في سوريا الثمن. كثيرون ممن حلموا بسوريا ديمقراطية باتوا يخشون أن يتحول التغيير إلى منصة لإقصاء الأقليات بدلًا من تعزيز التعايش.
أحد المتظاهرين في دمشق قال: “نريد أن نؤمن بالحرية، لكن إن كانت تعني نهاية وجودنا كمسيحيين أو أقليات، فهذه ليست الحرية التي نطمح إليها.”
سوريا الجديدة: هل هي حقًا للجميع؟
بينما يحتفل البعض بسقوط النظام القديم، تتساءل الأقليات عن مكانها في سوريا الجديدة. مع تصاعد سيطرة الجماعات المسلحة مثل هيئة تحرير الشام، يشعر الكثيرون أن سوريا تتحول إلى مكان أقل ترحيبًا بالتنوع وأكثر انغلاقًا على أيديولوجيات إقصائية.
إنقاذ روح سوريا: نداء عالمي
إحراق شجرة عيد الميلاد ليس مجرد حادثة. إنه رمز للتحديات التي تواجهها الأقليات، وصورة مصغرة للمخاطر التي تهدد التنوع الثقافي والديني في سوريا. إذا استمر العالم في تجاهل هذه التحذيرات، فقد تجد سوريا نفسها تفقد جوهرها الذي لطالما ميزها.
كما قالت إحدى النساء المسيحيات: “ما نريده بسيط: الأمان والقدرة على الاحتفال بدون خوف. لا نريد أن نشعر أننا غرباء في بلدنا.
إن إنقاذ التنوع السوري ليس مجرد مطلب للأقليات بل واجب إنساني عالمي. حماية التنوع هو السبيل الوحيد لضمان أن تكون سوريا مكانًا للجميع، كما كانت دائمًا.
مجهولون يقومون بحرق شجرة عيد الميلاد في مدينة السقيلبية بريف حماة الغربي وسط #سوريا. pic.twitter.com/rIfoLPKUda— Ahmad Hamieh🇦🇷🇦🇷 (@Ahmadhamieh313) December 23, 2024
نقاش حول هذا المنشور