أعلن الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول أمس الثلاثاء الأحكام العرفية بالبلاد في إجراء أحبطته الجمعية الوطنية (البرلمان) سريعا، مما دفع القوات العسكرية لمغادرة الشوارع بعد ان اغلقت البرلمان لفترة وجيزة وانتشرت بالشوارع والساحات العامة وأدى ذلك إلى استقالات جماعية.
المعارضة تطالب بعزل الرئيس:
وأعلن الحزب الرئيسي المعارض في كوريا الجنوبية -اليوم الأربعاء- أنه تقدم بطلب لعزل الرئيس يون سوك يول، بعد إعلانه العزم على مقاضاته وعدد من كبار معاونيه الأمنيين بتهمة “التمرد”.
وقال ممثلون لستة أحزاب يتقدمها “الحزب الديموقراطي”، وهو أبرز أحزاب المعارضة، في خطاب مباشر “لقد تقدمنا بطلب عزل تم تحضيره على عجل”، مشيرين الى أنهم سيدرسون موعد طرحه على التصويت، والذي قد يحصل الجمعة المقبل.
كما قال “الحزب الديمقراطي” -في بيان- إنه سيرفع دعوى بتهمة التمرد على كل من رئيس الجمهورية ووزيري الدفاع والداخلية وشخصيات رئيسية في الجيش والشرطة متورطة في إعلان حالة الأحكام العرفية، مشيرا إلى أن المعارضة ستسعى كذلك إلى عزل الرئيس عبر محاكمته برلمانيا.
وأضاف أن إعلان يون الأحكام العرفية “يعد انتهاكا واضحا للدستور”، مشددا على أن يون فشل في الامتثال لأي من متطلبات أو مسوغات الدستور لإعلان الأحكام العرفية، وفق البيان.
وخلال اجتماع طارئ للمشرعين المعارضين الذين يشكلون الأغلبية في الجمعية الوطنية، أعلن الحزب الديمقراطي أنه سيبدأ على الفور إجراء عزل يون ما لم يتنحّ من تلقاء نفسه.
ما هي الأحكام العرفية؟
يتمتع الرئيس، بموجب الدستور الكوري الجنوبي، بصلاحية إعلان الأحكام العُرفية في حالات الحرب أو النزاع المسلح أو الطوارئ الوطنية، وتنقسم الأحكام العُرفية في كوريا الجنوبية إلى نوعين، الأحكام العُرفية الطارئة، والأحكام العُرفية الأمنية.
ولجأ الرئيس يون إلى النوع الأوّل، الذي يمنح الحكومة صلاحيات واسعة تشمل تقييد حُريّة الصحافة والتجمع، وتجاوز سلطة المحاكم المدنية، وغيرها من الإجراءات الاستثنائية، ويُلزم الدستور الرئيس بإخطار الجمعية الوطنية، عند إعلان الأحكام العُرفية.
وفي حال صوّتت الجمعية بأغلبية أعضائها على المطالبة برفع الأحكام العُرفية، كما حدث في الحالة الأخيرة ـ يتعيّن على الرئيس الامتثال لهذا القرار.
تاريخ الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية:
عاشت كوريا الجنوبية 4 عقود تحت سطوة الحُكم العسكري قبل أن تنتقل إلى النِظام الديمقراطي في أواخر الثمانينيات، في مسيرة طويلة طبعها التدّخل المتكرر للجيش في الشؤون المدنية والسياسية منذ تأسيس الدولة. وتكشف مراجعة التاريخ الكوري أنّ أوّل تطبيق للأحكام العُرفية يعود إلى عام 1948، بعد أشهر قليلة من تأسيس البلاد رسميا، حين أعلنها أوّل رئيس، سينغمان ري، الذي تعاون مع القوات الأميركية لقمع تمرد عسكري بقيادة شيوعية.
وعاد ري ليفرض الأحكام العُرفية مرة أخرى عام 1952 خلال الحرب الكورية. وخلال فترات الحكم الديكتاتوري التي أعقبت إعادة بناء البلاد من دمار الحرب ضد الجارة الشمالية (1950-1953)، لجأ قادة البلاد بشكل متكرر إلى إعلان الأحكام العُرفية في مواجهة المعارضة.
وتجسّد هذا المسار بوضوح في حُكم الديكتاتور بارك تشونغ-هي، الذي وصل إلى السلطة عبر أوّل انقلاب ناجح في البلاد في 16 ماي 1961، وحكم كوريا الجنوبية لما يقرب من عشرين عاما حتى اغتياله على يد رئيس مخابراته عام 1979، وخلال فترة ولايته كان يلجأ من حين لآخر إلى إعلان الأحكام العُرفية لقمع الاحتجاجات وسجن منتقديه.
وشكّل اغتيال بارك، نقطة تحول في تاريخ البلاد، فبعد أقل من شهرين من وفاته، قاد اللواء “تشون دو-هوان” دبابات وقوات إلى سيول في ديسمبر 1979 في ثاني انقلاب عسكري ناجح، وتحت ضغط المجموعة العسكرية بقيادة “تشون”، مدّد رئيس الوزراء “تشوي كيوها” الذي سيُصبح رئيساً للبلاد فيما بعد، الأحكام العُرفية حتى عام 1980، وحظر بموجبها النشاط الحزبي، ممّا أشعل شرارة احتجاجات واسعة في البلاد.
وبلغت المظاهرات ذروتها في مدينة “غوانغجو”، جنوب غرب كوريا، حيث نفّذت السلطات حملة عنيفة ضد المحتجين المؤيدين للديمقراطية.
وحسب الأرقام الرسمية، سقط 191 قتيلاً، بينهم 26 من الجنود ورجال الشرطة، رغم تأكيد عائلات الضحايا أن العدد الحقيقي أكبر بكثير.
وحاول “تشون”، آنذاك، تصوير الاحتجاجات كتمرد مدعوم من كوريا الشمالية، لكنها تحوّلت إلى نقطة محورية في مسيرة البلاد نحو الديمقراطية، واستمرت الأحكام العُرفية حتى عام 1981، حين ألغيت إثر استفتاء شعبي.
وفي صيف 1987، أجبرت احتجاجات شعبية حاشدة حكومة “تشون” على قبول الانتخابات الرئاسية المباشرة، فاز فيها حليفه العسكري “روه تاي وو”، الذي شارك في انقلاب 1979، مستفيدا من انقسام أصوات المعارضة الليبرالية.
ولم تتحول كوريا الجنوبية إلى جمهورية ديمقراطية حقيقية، إلاّ مع تنصيب “روه” في 25 فيفيري 1988، بعد 40 عاماً من الحكم العسكري.
وفي عام 1996، حوكم “تشون دوهوان وروه تاي وو” بتُهم تتعلق بتنفيذ انقلاب 1979 وحملة القمع الدموية التي أعقبته، ورغم أنّ الرئيس “كيم يونغ سام” (1993-1998) اعتبر هذه المحاكمات علامة على عصر دستوري جديد، إلاّ أنّه مَنح الرجلين عفوا في العام الموالي، في خُطوة قال إنّها تهدف إلى توحيد البلاد.
نقاش حول هذا المنشور