كان 2024: الاحتفاء بالسينما والالتزام
الدورة 77 لمهرجان كان التي تنتظم من 14 الى 25 ماي 2024، ابتدأت منذ 8 ايام بإغراق “الكروازيت” في حماس معدي، بـ 35000 اعتماد وعدد لا يحصى من المدعوين وعشرات الافلام في كل قسم البعض منها منتظر بشدة، هذه الدورة تبشر بان تكون ثرية بالمشاعر وبالاكتشافات السينماتوغرافية. النجوم تتوافد بأعداد كبيرة سواءا كان من اجل افلام او بكل بساطة احتفالا بالسينما. من بين الشخصيات الحاضرة، نذكر فرنسيس فورد كابولا وفاي دوناوي وريتشارد جير وليا سيدو وآدم درايفر وجورج لوكاس وغيرهم.
حفل الافتتاح تحت شعار الالتزام
حفل الافتتاح الذي قدمته الممثلة الفرنسية كامي كوتان، كان من ابرز احداث هذه الدورة، خطابها الذي جمع بين الشعر والاحساس تمكن من شد الحضور ونقلهم الى عالم موازي اين يختلط الشغف والحوار والاختلاف الثقافي. كامي كوتان لمعت بكاريزما واناقة وتركت انطباعا في النفوس بخطابها المؤثر، الذي تناول قضايا حساسة مثل مقاومة التحرش الجنسي في الصناعة السينماتوغرافية. اكدت على اهمية مواصلة مقاومة هذه التصرفات، رسالة يدعمها المهرجان، الذي انشأ على عين المكان خلية سماع للضحايا، وقام بعرض الفيلم القصير ” انا ايضا ” لجوديث جودريش، هذا الاخير تم عرضه اثناء حفل افتتاح قسم “نظرة ما” وفي سينما الشاطئ المتاح مجانا للجمهور، مؤكدا مرة اخرى التزام المهرجان.
فيلم الافتتاح “الفصل الثاني” لكوينتين دوبيو، قدم فكرة عن السينما ومستقبلها، متصفحا مواضيعها من خلال الضحك والسخرية من الذات. هذا العمل يعرض نقد ذاتي جارح للسينما وللفنانين، متنقلا بين مقاطع التصوير والكواليس مما يخلق ضبابية مطردة بين الواقع والخيال. في كان الفيلم اثار ردود افعال متناقضة: البعض احبه وآخرون لم يحبوه. رغم ان الفيلم كان محيّر للبعض، الا انه يجسد تماما التزام المهرجان تجاه سينما لا تتردد في طرح الاسئلة وفي التجدد.
ميريل ستريب، نجمة ” الكروازات”
ميريل ستريب ايقونة السينما بدون منازع، كان لها عودة المنتصر على “الكروازيت” بعد 35 سنة من حصولها على جائزة التمثيل عن فيلم “صرخة في الليل” (1988). الممثلة الامريكية حصلت على السعفة الذهبية الفخرية، والتحقت هكذا بالأساطير مثل جين مورو وكاثرين دينوف وجودي فوستر. هذه الجائزة تعد اعترافا بمساهمتها الاستثنائية في السينما وتم تكريمها بتأثّر واضح من طرف المدعوين ومن طرف جولييت بيوش التي سلمتها الجائزة. ميريل ستريب التي ظهرت كآلهة بفستان انيق ابيض، تسلمت جائزتها وسط تصفيق حار يرمز للتقدير والاعجاب اللذين يحملهما لها زملاؤها وايضا جمهور العالم اجمع.
مسابقة ثرية بالمواهب
هذا العام، 21 فيلم في المسابقة الرسمية من بينها اربعة فقط من اخراج نساء، رقم لا يزال منخفض جدا. من بين المخرجين في المسابقة نلاحظ عودة فرنسيس فورد كابولا بعد 45 سنة من الغياب بفيلم “ميغالوبوليس”، وايضا حضور المخرجين المعتادين للمهرجان مثل البرازيلي كريم عينوز بفيلم ” فندق الوجهة” وديفد كروننبرغ بفيلم “الغيوم” والايراني محمد رسولوف بفيلم “بذرة التين المقدس”، هذا الاخير حكم مؤخرا بثماني سنوات سجن في ايران مع الجلد ومصادرة جميع املاكه، الذي استطاع مغادرة البلاد بطريقة غير شرعية ويمكن ان يفاجئ الجمهور بالظهور في كان، يشارك عمله الاخير في المسابقة الرسمية مسجلا بذلك لحظة مؤثرة من المقاومة والاصرار في وجه القمع.
من الذي سيفوز بالسعفة الذهبية؟ سنرى ماذا ستقرر لجنة التحكيم برئاسة غريتا جرويغ وتتكون من ايبرو سيلان وليلي غلادستون وايفا غرين ونادين لبكي وخوان انطونيو بايونا وبييرفرانشيسكو فافينو وكوري ايدا هيروكازو وعمر سي، فريق يرمز لاختلاف ورقي السينما العالمية.
نظرة ما: واجهة الاختلاف
قسم نظرة ما يتميز بدوره كنقطة انطلاق للمواهب الشابة والأصوات المتفردة. هذا العام ثمانية عشر فيلم من بينها الثمانية افلام الاولى تجسد هذا الاختيار الذي وضع التنوع الثقافي في مرتبة الشرف، بروايات قادمة من جميع انحاء العالم. هذا العام سجل سابقة تاريخية باختيار فيلم سعودي “نورا” لتوفيق الزايدي، ما يكشف عن رغبة متزايدة للبلد في ترويج السينما العربية على المستوى العالمي.
السينما العربية في الخلف والهند في التشريف
بالنسبة لهذه الدورة 77 نلاحظ شبه غياب للسينما العربية في مختلف اقسام المهرجان، باستثناء افلام نادرة مثل “الكل يحب توندا” للمخرج المغربي نبيل عيوش، يعرض خارج المسابقة. في المقابل لمعت السينما الهندية هذه السنة بأفلام حاضرة تقريبا في كل الاقسام بما في ذلك المسابقة الرسمية، الهند سجلت عودة المنتصر الى كان، سابقة منذ 1994 مع فيلم All We Imagine As Light لبيال كاباديا، هذا التركيز على السينما الهندية يبرز ثراء وتنوع هذه الصناعة السينماتوغرافية غالبا مجهولة خارج حدودها. كما لاحظنا على السجادة الحمراء حضور نجوم هنديين مثل الممثلة آيشواريا راي باتشان.
الاحتفاء بالموروث السينماتوغرافي
قسم كان كلاسيكيات يحتفل هذا العام بالذكرى 20 لتأسيسه، محتفيا بالموروث السينماتوغرافي العالمي من خلال افلام اعيد ترميمها وافلام وثائقية جذابة. هذا القسم المخصص لذاكرة وتاريخ السينما يقترح مجموعة مختارة بانتقاء من الافلام المرممة والافلام الوثائقية الجذابة والاحداث الخاصة. من بين اللحظات القوية يمكن ان نذكر عرض فيلم “نابليون” لآبيل جانس وايضا فيلم “مانثان” لشيام بنغال. هنالك ايضا تكريمات خاصة لأيقونات السينما مثل فاي دوناواي واليزابيث تايلور احتفاءً بمسيرتهم الاسطورية.
الدورة 77 لمهرجان كان يبدو انها لن تنسى، تجمع بين البريق والالتزام والاحتفاء بالفن السينماتوغرافي بكل تنوعاته. الانظار حاليا متجهة نحو “الكروازات” في انتظار معرفة أي الافلام واي المواهب ستحل وتترك بصمتها في تاريخ السينما. هذا العام اكثر من أي وقت مضى مهرجان كان يؤكد دوره كواجهة عالمية للإبداع والتجديد السينماتوغرافي كل ذلك مع اعادة تأكيد التزامه بالقضايا الاجتماعية الحساسة.
نائلة ادريس
نقاش حول هذا المنشور