تشير المؤشرات النقدية التي نشرتها البنك المركزي التونسي في 28 نوفمبر 2025 إلى صورة متباينة للوضع المالي في البلاد. بين تراجع طفيف في الاحتياطيات من العملات الأجنبية، وتحسن ظاهر في خدمة الدين، وارتفاع كبير في العملة المتداولة، لا تتجه الإشارات جميعها في نفس الاتجاه.
تبلغ الاحتياطيات الصافية من العملات الأجنبية 24.6 مليار دينار، أي ما يعادل 105 أيام من الاستيراد. وهو مستوى لا يزال مريحًا، لكنه في تراجع طفيف بنسبة 1.3% مقارنة بنفس الفترة في 2024. يعكس هذا التراجع الهشاشة الهيكلية لميزان المدفوعات، الذي لا يزال خاضعًا لتقلبات الواردات الطاقية والغذائية.
بالتوازي، يستمر مؤشرين في تقديم دعم ثمين للمالية الخارجية:
– الإيرادات السياحية، التي ارتفعت بنسبة 6.96%، لتصل إلى 7.3 مليار دينار.
– تحويلات التونسيين في الخارج، التي زادت بنسبة 6.94%، لتصل إلى 7.7 مليار دينار حتى تاريخ 20 نوفمبر.
تظل هاتان المصدران من العملات الأجنبية أساسيتين في سياق يظل فيه الاستثمار الأجنبي متواضعًا وتستمر فيه المفاوضات مع الممولين الدوليين.
تطور آخر ملحوظ: تراجعت خدمة الدين الخارجي في 2025 بنسبة 13.9%، لتصل إلى 11.3 مليار دينار، مقابل 13.1 مليار في العام السابق. يمكن أن تعكس هذه الانخفاض إما تباطؤًا في الاستحقاقات التي تصل إلى النضج أو إعادة جدولة جزئية. لكنها لا تعني بالضرورة تخفيفًا دائمًا، حيث تظل ضغوط الدين مرتفعة هيكليًا.
على النقيض، يثير مؤشر آخر القلق: تستمر العملة المتداولة، بما في ذلك الأوراق النقدية والعملات المعدنية، في الارتفاع. حيث ارتفعت من 22 مليار دينار في نهاية نوفمبر 2024 إلى 25.8 مليار في 2025. يستمر هذا الارتفاع الكبير في تغذية المخاوف بشأن حجم الاقتصاد غير الرسمي وضعف الشمول المالي، بينما يزيد الضغط على السيولة المصرفية.
تظهر التوترات أيضًا في السوق بين البنوك، حيث قفز حجم المعاملات بنسبة 66%، ليصل إلى 3.7 مليار دينار. على العكس، انخفضت عمليات إعادة التمويل طويلة الأجل للبنك المركزي التونسي بنسبة 4.7%، لتصل إلى 11.1 مليار دينار، مما يشير إلى تعديل طفيف في السياسة النقدية.
في النهاية، تشير أرقام البنك المركزي التونسي إلى اقتصاد يقاوم لكنه يظل تحت الضغط: تنفس من جانب السياحة والتحويلات، وراحة جزئية على الدين، لكن الاحتياطيات تتآكل ببطء والكتلة النقدية تتزايد. توازن هش، ستكشف الأشهر القادمة ما إذا كان يمكنه الصمود أمام التحديات المالية والاجتماعية لعام 2026.
نقاش حول هذا المنشور