نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مركز أبحاث أمريكي متخصص في شؤون الشرق الأوسط، مؤخرًا تحليلًا مفصلًا حول الوضع السياسي والاجتماعي في تونس، بالإضافة إلى آفاق البلاد المستقبلية. يسلط التقرير الضوء على تصاعد التوترات الداخلية، والاحتجاجات الاجتماعية، والقضايا الاقتصادية الحرجة، مع اقتراح طرق للعمل للمجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة.
وفقًا للمعهد، تم تسجيل ما يقرب من 5000 حركة احتجاجية منذ بداية عام 2025، بزيادة قدرها 84% مقارنة بالعام السابق. تعكس هذه التعبيرات عن السخط المتزايد المرتبط بالصعوبات الاقتصادية، والمشاكل البيئية، والقيود على الحريات المدنية.
شهدت مدينة ڨابس على وجه الخصوص مظاهرات واسعة النطاق، حيث احتج السكان على التلوث الناجم عن المجمع الكيميائي المحلي وطالبوا بإغلاق أو إعادة تأهيل مصنع الفوسفات. تخللت هذه الحركات مواجهات مع قوات الأمن، مما يبرز حساسية القضايا البيئية في منطقة تعتمد تاريخيًا على الصناعة الكيميائية للتوظيف والاقتصاد المحلي، وفقًا للتقرير.
“العاصمة ليست بمنأى عن ذلك: فقد شهدت مظاهرات متكررة منذ نوفمبر بسبب الاعتقالات الجماعية في إطار ما يسمى بقضية “التآمر ضد الدولة”. تم الحكم على أربعين شخصية سياسية ومعارضة بأحكام قاسية، مما أثار انتقادات من منظمات حقوق الإنسان وزاد من التوترات مع المجتمع المدني”، كما يشير التقرير.
يؤكد التقرير أنه على الرغم من هذه التعبيرات، فإن سقوط النظام لا يزال غير مرجح. الشعور السائد بين التونسيين هو خيبة أمل عامة، حيث يفكر جزء من السكان في الهجرة كحل، مما يؤدي إلى خطر هجرة الكفاءات.
بالنسبة لمعهد واشنطن، تظل الاستقرار الاقتصادي النقطة الحاسمة. تمتلك تونس مزايا مهمة: قربها من أوروبا، قوة عاملة شابة وديناميكية، إمكانات في الصناعات الزراعية والبنية التحتية الاستراتيجية. ومع ذلك، قد تضيع هذه المزايا إذا لم يتحسن المناخ السياسي وإذا تأخرت الإصلاحات الهيكلية.
يقترح الخبراء الأمريكيون إجراءات مستهدفة وقليلة التكلفة لدعم البلاد، مثل:
– تخفيف الرسوم الجمركية على بعض الصادرات التونسية،
– دعم المشاريع التجارية الأقل تسييسًا،
– تشجيع البنية التحتية الحيوية والقطاعات ذات القيمة المضافة العالية.
كما يشددون على ضرورة دعم رؤية التونسيين لمستقبل أكثر ازدهارًا، مذكرين بمبادرات سابقة مثل “صندوق المشاريع التونسي الأمريكي” أو “اتفاق تحدي الألفية” في ظل إدارة أوباما، التي عززت الثقة الشعبية في الإصلاحات.
يقدم التقرير قراءة يجب أن تُقرأ بحذر. تعكس وجهة نظره نهجًا استراتيجيًا أمريكيًا، يركز أحيانًا على المصالح الجيوسياسية والاقتصادية للولايات المتحدة. يمكن للمراقبين التونسيين أن يلاحظوا أن بعض التوصيات، مثل تعليق الرسوم الجمركية أو دعم المشاريع المستهدفة، لا تأخذ دائمًا في الاعتبار القيود المالية المحلية، والديناميات الاجتماعية الداخلية، وقضايا الحوكمة.
يجب التذكير أيضًا بأن هذا المعهد ينشر بانتظام تقارير عن تونس. في نهاية عام 2023، أوضح أن واشنطن يمكنها تحسين صورتها في تونس من خلال الدفاع عن حقوق الإنسان ودعم الجمهور التونسي المتقبل بشكل ملموس. بعد أحداث 25 جويلية، تم التأكيد على أن هذه التطورات ستؤثر على السياسة الأمريكية تجاه تونس.
تمر تونس بمرحلة معقدة، تتميز بتزايد الاحتجاجات الاجتماعية وسياق سياسي متوتر. يذكر تقرير معهد واشنطن بأهمية الإصلاحات الهيكلية والحوار المفتوح مع المجتمع المدني، مع التأكيد على الفرص التي لا يزال بإمكان البلاد اغتنامها لتعزيز مرونتها الاقتصادية والاجتماعية.
نقاش حول هذا المنشور