“لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ” .. هكذا تقول الآية القرآنية لكن حجّ هذه السنة كان موتا وازدحاما وحالات فقد، هو حج كان أشبه الى حالة الحرب منه الى آداء فريضة دينية الأصل فيها السلم والرحمة والتآزر.
حج التأشيرات السياحية:
أطلقت السعودية منذ ما يقارب السنتين ما يسمى ب”التأشيرة السياحية”، حيث تتيح للحاصل عليها المكوث في المملكة لمدة تصل الى 90 يوما، والغرض منها جذب السياح والزائرين كجزء من مخطط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لجعل بلاده قطبا سياحيا …
أما حجاج بيت الله الحرام، فيستغلون هذه الميزة في الدخول الى السعودية فترة الحج لاداء فريضتهم الدينية ودوافعهم في ذلك عديدة.
ومن أهم الدوافع التي تجعل الحاج أو المعتمر يقبل على زيارة الاماكن المقدسة بالتأشيرة السياحية هي الاسعار الزهيدة لهذا النوع من السياحة الدينية مقابل الأثمان المشطة للحج ضمن البعثات الرسمية.
الحج بالتأشيرة السياحية وفق ما أفادنا به حجاج زاروا مكة تتراوح قيمته ما بين ال7000 دينار الى 10000 دينار كحد أقصى مقابل ال20 ألف دينار ضمن البعثات الرسمية.
وينطلق الحجاج ضمن التأشيرة السياحية الى السعودية في الفترة التي تلي عيد الفطر بحوالي أسبوعين الى 20 يوما، فيمكثون في النزل ويتجنبون الخروج خوفا من عملية الابعاد التي تقوم بها السلطات السعودية.
ويرتكزون في ذلك الى فتاو دينية تسمح لهم بعدم آداء الاركان الاولى من الحج على غرار طواف القدوم والسعي بين الصفا والمروة، ليخرجوا الا ليلة عرفة للالتحاق بصعيد عرفات لآداء “الركن الأعظم” من هذه الفريضة الدينية.
ويعتمد الحجاج “غير الرسميين” طيلة مدة مكوثهم في مكة على أموالهم الخاصة في السكن والأكل والشرب والتنقل.
السلطات السعودية تمنع الحج بالتأشيرة السياحية:
وسبق موسم الحج لهذه السنة عمليات تحشيد أمني كبيرة بالسعودية للتصدي للحجاج غير الحاصلين على تأشيرات حج رسمية.
كما نشرت السعودية على صفحات ومواقع وزارة الحج والعمرة ومضات تحسيسية بخطورة الحج دون بعثة رسمية، مؤكدة انها ستتصدى لمثل هذا النوع من السياحة الدينية.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صورا لعمليات مداهمة أمنية لنزل الحجاج “غير الرسميين” وعمليات ابعاد الى خارج محافظة جدة السعودية.
كما نشرت السلطات السعودية قوات أمنية اضافية في محيط الحرم المكي وفي الطريق الى صعيد عرفات وقامت بعمليات ابعاد، دون ترحيل، حيث ان الحاج بالتأشيرة السياحية يعتبر دخوله الى المملكة نظامي وبالتالي لديه الحق في البقاء داخل حدود التراب السعودي ما لم تتجاوز المدة 90 يوما ولكن يحجر عليه اداء فريضة الحج.
قرارات المنع السعودية الغيت كلها يوم 15 جوان الجاري، حيث سمحت لأعداد كبيرة من الحجاج غير الرسميين بالتوجه الى صعيد عرفات لاداء ركن الوقوف بعرفة .. الامر الذي تلاه كارثة …
اعداد وفيات ومفقودين:
الاعداد الرسمية للوفيات التي نشرتها وزارة الخارجية ذكرت ال35 حالة وفاة، منها 5 وفيات ضمن الوفد الرسمي و30 من خارج البعثي، ما يعني ان حالات الوفاة شملت كذلك البعثات الرسمية، مرد ذلك ليس لظروف الحج دون غيرها، انما لعوامل اخرى من بينها الزحام وحرارة الطقس التي ناهزت الخميس درجة يوم عرفة.
ثم تداول ناشطون وفيات جديدة على غرار ما افاد به رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير.
أما اعداد المفقودين فلا ارقام رسمية تحصر العدد النهائي، وما يتم تداوله هي اجتهادات من نشطاء مجتمع مدني، على غرار ما قام بنشره الناشط محمد لملوم عن جهة بنقردان من اسماء مفقودين تجاوز عددهم ال50 حاجا.
غير ذلك، تداول العديد مقاطع فيديو لحجاج بالفيزا السياحية قدموا الى خيام البعثات الليبية والمصرية .. وقد تاهوا بين الزحام…
اشخاص قادوا الحج بالتأشيرة السياحية:
ثم ان هناك بعثات حج غير رسمي قادها اناس قدموا انفسهم على انهم مرشدون أو ما يصطلح عليه شعبيا ب”المطوف”، حيث عمد بعضهم الى دفع الناس الى الحج دون تأشيرة رسمية على ان يتم تسهيل حجهم هناك.
وتسهيل الحج هناك وفق ما روج له هؤلاء هو حجز فندقي وحافلات ستنتظرهم عند الخروج من مقرات السكنى وتتجه بهم الى مكان أداء الفرائض، واستقبال في المطارات …
الا ان كل هذا غاب عن العديد من الحجيج غير الرسميين، حيث تمت ملاحظة حجاج قصدوا السعودية دون اي مرافق او مرشد، كما تلقينا شهدات بضياع عديد الحجاج في مطارات مصر وتركيا اثناء عملية الترانزيت…
المعاناة لم تتوقف هناك، العديد من الحجيج وقع مداهمة مقرات سكانهم وترحيلهم إلى خارج جدة وتدفيعهم خطايا وصلت الى 1200 ريال سعودي دون اي تدخل من “تجار الحج”.
العديد من الحجاج كذلك لم يجدوا اي حافلات عند التوجه الى صعيد عرفات الامر الذي دفعهم إلى السير على الاقدام مسافة ناهزت ال20 كلم وهو ما انجر عنه كوارث في الوفيات والمفقودين …
البعثة الرسمية للحج تتدخل للمساعدة:
وأفاد رئيس البعثة الصحية التونسية في حج 2024 حمادي السوسي، أنه سيتم التعهد بالمرضى ومتابعة حالات الضياع لكل الحجيج التونسيين بما في ذلك الحجيج غير الرسميين.
وأكد السوسي في تصريح نقلته عنه الاذاعة الوطنية أمس الثلاثاء 18 جوان 2024 انه لا يوجد أي إشكال في صفوف الحجيج ضمن البعثة الرسمية.
واضاف المتحدث ان الحالات التي تستوجب العلاج تم نقلها للمستشفى، مبينا أن الصعوبة في البحث عن حالات الضياع من خارج المنظومة، خاصة في ظل الإكتظاظ بالمستشفيات.
نقاش حول هذا المنشور