قدمت زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن ملخصًا للدبلوماسية الأمريكية السعودية الجديدة: مذهلة في الشكل، استراتيجية في الجوهر، وموجهة بشكل حاسم نحو إعادة تشكيل إقليمية حيث المال والدفاع وتوازنات القوة تشكل المحور المركزي. استُقبل ولي العهد السعودي بحفاوة غير معتادة، ووجد في البيت الأبيض دونالد ترامب منتصرًا، حريصًا على تعزيز شراكة يقدمها الآن كجزء أساسي من رؤيته لـ«شرق أوسط جديد».
في قلب المحادثات، تبقى مسألة التطبيع بين الرياض وتل أبيب العنصر الأكثر رمزية. يقول ترامب ومحمد بن سلمان إنهما أجريا «مناقشات إيجابية»، مما يشير إلى أن السعودية قد تنضم في النهاية إلى اتفاقيات أبراهام. لكن ولي العهد يبقى حازمًا: لا تقدم دون مسار موثوق نحو دولة فلسطينية. هذا التذكير، الموجه بقدر ما هو للرأي العام العربي كما هو للشركاء الدوليين، يؤكد أن الرياض تعتزم الحفاظ على وضعها كقائد إقليمي مع ضمان عدم كسر توازناتها الداخلية.
في سياق تسعى فيه الولايات المتحدة إلى إعادة رسم الكتل الإقليمية حول تحالفات اقتصادية وأمنية، تبدو الموقف السعودي كرافعة دبلوماسية رئيسية — واختبار لواشنطن.
أعلن دونالد ترامب منح السعودية وضع حليف رئيسي خارج الناتو، لتنضم إلى نادٍ محدود من 19 دولة (بما في ذلك تونس). بالنسبة للرياض، هذا قفزة نوعية: وصول ميسر إلى أنظمة الأسلحة الأكثر تقدمًا، إجراءات مسرعة، تعاون معزز.
ترافق هذا الاعتراف باتفاق استراتيجي دفاعي، مصمم لتثبيت شراكة عمرها 80 عامًا. تؤكد واشنطن بذلك رغبتها في «تعزيز الردع في الشرق الأوسط»، بينما تسعى الرياض إلى حماية نفسها من عدم اليقين الإقليمي، من الصراع الإسرائيلي القطري إلى التوترات مع إيران.
تأتي هذه الخطوة بعد أسابيع قليلة من إبرام السعودية اتفاقًا عسكريًا مع باكستان، مما يشير إلى أن محمد بن سلمان يعتزم تنويع الضمانات الأمنية مع ترسيخ علاقاته مع واشنطن.
الإعلان الأكثر حساسية يتعلق ببيع طائرات F-35 إلى الرياض. يؤكد ترامب أن الطائرات لن تكون «مخفضة» للحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي، مما يكسر مع العقيدة الأمريكية لـ«التفوق العسكري النوعي». الإشارة قوية: محمد بن سلمان لا يريد أن يُعامل كشريك من الدرجة الثانية، وواشنطن تبدو مستعدة لتأكيد هذا التطور.
يأتي هذا الخيار في سياق تسعى فيه الولايات المتحدة إلى استقرار تحالفاتها في الشرق الأوسط، مع تجنب أن تسعى الرياض إلى خيارات آسيوية، خاصة الصينية.
كشف الملف الإيراني عن لغة مزدوجة معترف بها. يحتفل ترامب مرة أخرى بالضربات الأمريكية في جوان ضد المنشآت النووية الإيرانية، مشيدًا بالتفوق العسكري الأمريكي. لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن إيران «تريد اتفاقًا» وأنه «منفتح تمامًا» على عملية دبلوماسية.
من اللافت للنظر، أن محمد بن سلمان يتماشى علنًا: ستدعم السعودية اتفاقًا أمريكيًا إيرانيًا محتملاً. خطوة تظهر تطور الرياض منذ المصالحة في 2023، وتؤكد الرغبة في تجنب تصعيد إقليمي بينما تبقى التوازنات العسكرية هشة.
البعد الاقتصادي للزيارة لا يقل أهمية. يتحدث ترامب عن التزام باستثمار 600 مليار دولار، بينما يتحدث محمد بن سلمان عن مبلغ إجمالي محتمل يصل إلى 1,000 مليار. ستشمل هذه التدفقات الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيات الناشئة، والمواد الحيوية، والصناعة والمالية.
هذا الاتفاق الاقتصادي يثبت تقاربًا:
– تسعى الولايات المتحدة إلى تمويلات جديدة لعمالقتها التكنولوجيين وبنيتها التحتية،
– تريد السعودية تعزيز استراتيجيتها رؤية 2030 وأن تصبح لاعبًا مركزيًا في تكنولوجيات المستقبل.
يكرر محمد بن سلمان أن الولايات المتحدة هي اليوم «السوق الأكثر سخونة في العالم»، وأنه يعتزم المشاركة في أسسها التكنولوجية.
نقاش حول هذا المنشور