الهدنة التي كان من المفترض أن تعيد بعض الهدوء إلى غزة تكشف يومًا بعد يوم عن طبيعتها الحقيقية: وقف إطلاق نار اسمي، هش، ومنتهك بشكل كبير، حيث يواصل المدنيون – وخاصة الأطفال – دفع الثمن الأغلى. بإعلانها أن 67 طفلاً فلسطينيًا قد قُتلوا منذ 10 أكتوبر، تضع اليونيسف أرقامًا على ما تشهد عليه مستشفيات غزة يوميًا: العنف لم يتوقف حقًا.
كل يوم، رغم التوقف الرسمي للأعمال العدائية، تستمر عمليات إطلاق النار والغارات والمواجهات، أحيانًا على بعد أمتار قليلة فقط من المناطق الإنسانية. في خان يونس، أفاد مستشفى ناصر بإعدام نازح. في القدس الشرقية، قُتل مراهقان فلسطينيان خلال غارة إسرائيلية في كفر عقب. في الضفة الغربية، يواصل المستوطنون حملاتهم العقابية، بإحراق المنازل والمتاجر كما لو لتذكير بأن الوضع الراهن الإقليمي يتغذى من الإفلات من العقاب والتوسع المستمر.
هذا التشتت في العنف، المتفرق ولكنه مستمر، هو توقيع لهدنة غير قادرة على فرض توازن قوى متكافئ، حيث تظل إسرائيل الفاعل المهيمن، عسكريًا ودبلوماسيًا.
صمت المجتمع الدولي المنقسم
وفقًا لعدة خبراء ومراقبين دوليين، يفتقر المجتمع الدولي إلى الحزم في مواجهة الانتهاكات المتكررة لوقف إطلاق النار من قبل إسرائيل. يشيرون إلى أن غياب الضغوط الموثوقة أو آليات المتابعة الفعالة يغذي مناخًا من الإفلات من العقاب، مما يسمح باستمرار العنف رغم الهدنة.
هذه الانتقادات تعود إلى ملاحظة أساسية: القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، تخشى أكثر من العواقب السياسية لقطع العلاقات مع إسرائيل من تفاقم الوضع الإنساني في غزة. النتيجة: إطار دبلوماسي حيث تصبح الهدنة خيالًا مفيدًا، يسمح بعرض خفض التصعيد دون فرضه فعليًا.
نتنياهو يغلق الأفق السياسي
في الوقت الذي تنشر فيه اليونيسف حصيلتها، يتحدث بنيامين نتنياهو في مقابلة مع أبو علي إكسبرس. جملته تسقط كالسيف: “لن يكون هناك دولة فلسطينية. نقطة.”
هذا التصريح ليس زلة، بل هو خط استراتيجي معتمد: منع أي ضغط داخلي أو خارجي لصالح حل سياسي، طمأنة المكونات القومية المتطرفة الضرورية لبقائه السياسي، إغلاق إطار المفاوضات مع السعودية، بفرض حدود التقارب منذ البداية.
بالنسبة لنتنياهو، حتى الاحتمال التاريخي للتطبيع مع الرياض ليس كافيًا لتغيير موقفه. في أفضل الأحوال، يقول إنه لديه “تفاؤل حذر” – أي القناعة بأن المنطقة يمكن أن تتقدم بدون دولة فلسطينية، طالما أن الدول العربية تفضل مصالحها الاستراتيجية.
منطقة معلقة على سلام مستحيل
بينما نتحدث عن التطبيع، والأنفاق في رفح، أو التوازنات الإقليمية الجديدة، تبقى الحقيقة الصارخة هي هذه: يموت طفلان فلسطينيان في المتوسط كل يوم رغم وقف إطلاق النار المعلن كـ”حقيقي”.
هذا التناقض الجذري – هدنة تقتل، عملية سياسية تستبعد، مجتمع دولي يراقب – يرسم منطقة حيث السلام دائمًا مؤجل إلى الغد. وحيث تبقى غزة، مرة تلو الأخرى، مسرحًا لمأساة بلا أفق.
نقاش حول هذا المنشور