أعلن دونالد ترامب يوم الأربعاء عن اتفاق تاريخي بين إسرائيل وحماس، معلناً بداية هدنة في غزة. خلف هذه المشهدية المثيرة، لعب الرئيس الأمريكي دوراً حاسماً من خلال الجمع بين الضغوط الدبلوماسية والمفاوضات السرية والعروض الإعلامية، لقبول الخطة وتأمين تحرير الرهائن.
لحظة مسرحية في البيت الأبيض
يوم الأربعاء، خلال اجتماع متلفز في البيت الأبيض، قاطع وزير الخارجية دونالد ترامب ليقدم له مذكرة سرية. رفع الرئيس الأمريكي عينيه نحو الكاميرات قبل أن يعلن على شبكته Truth Social: “مباركون هم صانعو السلام!”.
كانت هذا الإعلان الصاخب تتويجاً لعدة أيام من المفاوضات التي جرت في سرية تامة بين واشنطن والدوحة والقاهرة والقدس. بينما سارع ترامب لتبني دور “صانع السلام”، كانت فرقه الدبلوماسية تعمل منذ أسابيع لإقناع الطرفين بقبول المرحلة الأولى من خطة السلام في غزة، التي تركز على وقف إطلاق النار الإنساني وتبادل الرهائن.
ضغط مباشر على بنيامين نتنياهو
رغم كونه حليفاً رسمياً لا يتزعزع لإسرائيل، لم يقدم دونالد ترامب شيكاً على بياض لبنيامين نتنياهو. خلال لقائهما في البيت الأبيض في 29 سبتمبر، فاجأ الرئيس الأمريكي ضيفه بتقديم خطة سلام من 20 نقطة، تم إعدادها بمشاركة عدة قادة عرب ومسلمين التقاهم في الأمم المتحدة قبل أيام قليلة.
من بين النقاط التي أزعجت رئيس الوزراء الإسرائيلي كانت الإشارة الصريحة إلى دولة فلسطينية، وهي خط أحمر لجزء من حكومته. لكن ترامب أصر: بدون هذا التنازل، لم يكن هناك توافق إقليمي ممكن. في الكواليس، قال لنتنياهو، وفقاً لأكسيوس: “بيبي، هذه فرصتك للفوز. معي، ليس لديك خيار.”
تحالف عربي معاد تشكيله
استغل ترامب أيضاً حلقة دبلوماسية متوترة: هجوم إسرائيلي في قطر، حدث بينما كانت المناقشات تقترب من منعطف. غاضباً، استخدم الرئيس الأمريكي استياء الدول العربية لتوحيد جبهة مشتركة حول مبادرته.
حتى أنه أجبر نتنياهو على الاتصال بأمير قطر من المكتب البيضاوي لتقديم اعتذار رسمي. مشهد خلدته البيت الأبيض: يظهر فيه ترامب ممسكاً بالسماعة بينما يقرأ رئيس الحكومة الإسرائيلية اعتذارات معدة مسبقاً.
بعد ذلك بوقت قصير، وقعت واشنطن مرسوماً بضمانات أمنية لصالح قطر، دليلاً على الدور المركزي الذي يلعبه هذا الإمارة في الوساطة. هذا الإجراء يوضح التوجه الجديد لترامب، الذي يعتمد الآن على تحالفاته العربية التي نسجها خلال ولايتيه.
استراتيجية ذات حدين مع حماس
بالتوازي، مارس ترامب ضغطاً أقصى على حماس، محدداً لها مهلة: قبول اتفاق قبل 5 أكتوبر، وإلا ستواجه “جحيماً كاملاً”. لكن الحركة الإسلامية عرفت كيف تستغل رغبة الرئيس الأمريكي في إعادة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
عقدت عدة لقاءات في البيت الأبيض بين ترامب وعائلات الرهائن، محضرة لمشهد سياسي ذو تأثير كبير. إعلان تحريرهم الوشيك، المقرر يوم الاثنين، يشكل بالفعل نصراً رمزياً للرئيس.
في خطوة غير مسبوقة، أعاد نشر بيان رسمي لحماس، رغم اعتبارها من قبل واشنطن منظمة إرهابية، دون التعليق عليه. بالنسبة لترامب، لا تهم الفروق الدقيقة: ما يهم هو رسالة الفعالية والقوة التي يتم توجيهها للرأي العام الأمريكي.
حساب سياسي محسوب
يوفر الاتفاق حول غزة لدونالد ترامب فرصة مزدوجة: تحسين صورته الدولية وفرض بصمته على دبلوماسية الشرق الأوسط، قبل عام من حملة انتخابية محتملة جديدة.
بعد اتفاقيات أبراهام لعام 2020، يمكن أن تعزز هذه الخطوة مكانته كوسيط براغماتي قادر على إجبار الخصوم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. بالنسبة لمؤيديه، هذا هو الدليل على أن “ترامب وحده” كان قادراً على كسر جدار عدم الثقة بين إسرائيل وحماس وجيرانهم العرب.
لكن بالنسبة لمنتقديه، فإن الأمر يتعلق قبل كل شيء بخطوة سياسية، تم تنظيمها لتعظيم صورته والتأثير على التوازنات الدبلوماسية الإقليمية.
نقاش حول هذا المنشور