تختتم الدورة السادسة والأربعون من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (CIFF)، التي ستقام من 12 إلى 21 نوفمبر 2025، بلحظة ذات دلالة رمزية وفنية كبيرة للسينما العربية والدولية. فقد تم اختيار فيلم “صوت هند رجب”، آخر أعمال المخرجة التونسية كوثر بن هنية، ليكون فيلم الختام للمهرجان. وسيكون هذاه العرض الأولى للفيلم في إفريقيا، مما سيتيح للجمهور المصري فرصة اكتشاف عمل حظي بإشادة واسعة على الساحة الدولية، ويحمل من خلال قصته قضية عالمية: إسماع صوت الفلسطينيين الذين يواجهون الاستعمار والمجازر.
يأتي هذا الاختيار في CIFF ضمن مسار استثنائي. فقد فاز فيلم “صوت هند رجب” بجائزة الأسد الفضي – الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في الدورة الثانية والثمانين لمهرجان البندقية، وهي واحدة من أكثر الجوائز المرموقة في السينما العالمية، بالإضافة إلى ست من أصل ثماني جوائز في الأقسام الموازية. وقد حظي الفيلم بإشادة النقاد واستقبال حافل دام قرابة أربع وعشرين دقيقة، مما جعله واحداً من أبرز الأعمال لهذا العام. وبالإضافة إلى البندقية، تم اختيار الفيلم لتمثيل تونس في جائزة الأوسكار 2026 لأفضل فيلم دولي، مما يعزز اعترافه العالمي ويبرز دور كوثر بن هنية كسفيرة للسينما العربية المعاصرة.
فيلم “صوت هند رجب” هو إنتاج مشترك تونسي-فرنسي، يمزج ببراعة بين الخيال والوثائقي، مستلهماً من أحداث حقيقية مؤثرة. يروي الفيلم قصة هند رجب، طفلة فلسطينية تبلغ من العمر ست سنوات، محاصرة في سيارة تحت قصف مكثف في غزة بعد فقدان عائلتها. في تلك اللحظات المرعبة، تتمكن هند من الاتصال بخدمات الطوارئ للهلال الأحمر الفلسطيني، بينما تكافح فرق الإنقاذ للوصول إلى موقعها. يستخدم الفيلم التسجيل الصوتي الحقيقي لهذا الاتصال، مما يقدم تجربة سينمائية مؤثرة حيث يصبح الصمت والخوف والانتظار ملموسين. تتحول صوت الطفلة، الهش والمصمم، إلى رمز عالمي للبراءة في مواجهة العنف، مما يتيح للجمهور فهم الواقع الذي يعيشه ملايين الفلسطينيين الذين تتغير حياتهم بسبب الصراع.
تعتبر كوثر بن هنية منذ أكثر من عقد شخصية أساسية في السينما التونسية والعربية المعاصرة. أفلامها، التي تتسم بالالتزام العميق، تستكشف بحساسية القضايا الإنسانية والاجتماعية الكبرى، وغالباً ما تمزج بين الخيال والوثائقي لخلق سينما تثير التفكير وتؤثر. وقد تم الاعتراف بها بشكل خاص عن فيلم “الجميلة والكلاب” (2017)، الذي عرض في كان، والذي ندد بالعنف ضد النساء في تونس، وفيلم “الرجل الذي باع جلده” (2020)، الذي تم اختياره في البندقية ورشح للأوسكار. ويظهر فيلمها الوثائقي “بنات ألفة”، الذي كان في المنافسة الرسمية في كان ورشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي، اهتمامها المستمر بقصص الحياة الفردية التي تواجه قضايا جماعية. في كل من أفلامها، تسلط كوثر بن هنية الضوء على أصوات غالباً ما تكون مكتومة، محولة التجربة الشخصية إلى قصة عالمية، مقدمة للمشاهد التزاماً فكرياً وعاطفياً عميقاً.
صرح حسين فهمي، رئيس المهرجان: “عرض فيلم ‘صوت هند رجب’ كفيلم ختام لهذه الدورة يعكس القناعة العميقة للمهرجان بدور السينما كمدافع عن القضايا الإنسانية، وخاصة القضية الفلسطينية. إنه عمل مؤثر يظهر كيف يمكن للفن أن يصبح صوتاً للعدالة والحرية.” وأضاف محمد طارق، المدير الفني: “اختيار فيلم كوثر بن هنية لختام المهرجان يحتفي بدور السينما العربية في نقل صوت فلسطين إلى العالم ويؤكد أن السينما يمكن أن تكون جسراً يوحد الشعوب ويحافظ على ذاكرتنا المشتركة. جائزة الأسد الفضي التي فاز بها في البندقية تعزز من مكانته الدولية واختيار تونس لترشيحه للأوسكار 2026 يؤكد أهميته وتفوق السينما التونسية.”
عرض فيلم “صوت هند رجب” في ختام CIFF 2025 يذكر الجميع بقوة الفن في مواجهة الألم والشهادة على الظلم. من خلال صوت هند وكل الأطفال الذين سُرقت طفولتهم بسبب العنف، يظهر الفيلم أن السينما يمكن أن تحول قصة مأساوية إلى نور، وتقدم صوتاً لمن لا صوت لهم وتحافظ على الأمل حياً، بينما تحث على التفكير الجماعي في التضامن والإنسانية.
نائلة ادريس
نقاش حول هذا المنشور