انتقدت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تناول قناة التاسعة عبر برنامج rendez vous 9 لملف التآمر على أمن الدولة معتبرة أنه لم يحترم أخلاقيات العمل الصحفي.
واعتبرت النقابة في بلاغ لها نشرته اليوم الثلاثاء 04 مارس 2025 أنها “لا يمكن أن تسكت إزاء التعاطي غير المهني والمنافي لأخلاقيات المهنة الصحفية بعدد من وسائل الإعلام التونسية العمومية منها والخاصة، وبالخصوص ما ورد في برنامج ”روندفو 9” على قناة التاسعة ليوم الجمعة 28 فيفري الماضي الذي تناول الملف القضائي لقضية التآمر، والذي لم يحترم عددا من المبادئ الأخلاقية التي يقوم عليها العمل الصحفي”.
وأكدت النقابة في بلاغها أن “عدم احترام مبدأ أساسي من مبادئ العمل الصحفي الذي يتمثل في احترام قرينة البراءة، والتي تمثل مبدأ أساسيا من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إذ تنص المادة 11 على أن “كلُّ شخص متَّهم بجريمة يُعتبَر بريئًا إلى أن يثبت ارتكابُه لها قانونًا في محاكمة علنية تكون قد وُفِّرت له فيها جميعُ الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه.” فقرينة البراءة هي مبدأ أساسي في القانون الدولي وحقوق الإنسان يضمن لكل شخص متهم بجريمة الحق في أن يُعامل كبريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي. و هذا المبدأ يضمن حماية المواطنين من الاتهامات الظالمة، ويضمن لهم الحق في محاكمة عادلة.”
كما انتقدت النقابة غياب التنوع في الآراء والمعلومات والمصادر المتاحة للجمهور حيث لم يجلب البرنامج من يمثل من كانوا موضوع الاتهامات بل والأحكام النهائية.
واعتبرت أن البرنامج أخل بمبدأ التوازن وحق الجمهور في الاطلاع على كل المعلومات والآراء المتنوعة والمختلفة، إضافة إلى استخدام البرنامج معالجة تفضي حتما إلى الإدانة، وتجاهل حقوق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم ممّا يساهم في تشويه سمعتهم وتأليب الرأي العام ضدهم.
وتابعت النقابة في بلاغها :”لم يقم البرنامج على التمييز بين الأخبار والآراء وهو تمييز أساسي يسمح للجمهور بأن يطّلع على وقائع متمايزة عن الآراء حتى يتمكن من أن يحكم عليها بشكل موضوعي. إن أخلاقيات المهنة واحترام الصحفي لنفسه ومهنته يقتضي أن يتم تقديم صورة متكاملة للوقائع عبر عرض وجهات النظر المختلفة وعرض المعلومات من مصادر متنوعة، و إن الاكتفاء بوجهة نظر واحدة يعتبر إخلالًا بمبدأ التوازن الصحفي. ”
وأضافت :”جاء البرنامج في شكل محاكمة إعلامية في اتجاه واحد والحال أن القضاء وحده مؤهل للجكم على المتهمين بإدانتهم أو إثبات براءتهم بعد استكمال كل الأطوار القضائية من الطور الابتدائي إلى الطور التعقيبي، فالقضاء هو الجهة الوحيدة المخولة لها بإصدار الأحكام القضائية، بعد استكمال جميع الإجراءات القانونية وضمان حقوق الدفاع للمتهمين وإلا أصبح الإعلام قضاء موازيا وتحولت القنوات الإذاعية والتلفزية إلى محاكم تنتصب كما تشاء ومتى تشاء.”، وفق نص البلاغ.
وعبرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين عن انشغالها مما أسمتها “محاولات الانحراف بالتعاطي الإعلامي لموضوع شديد الحساسية قد يمس من قيم مهنة الصحافة ويضرب أسس الدولة المدنية والديمقراطية في حماية المحاكمة العادلة وقرينة البراءة.”
ودعت النقابة القائمين على البرنامج المذكور والقناة التي تبثه إلى الاعتذار عن ما أسمتها ” السقطة المهنيّة الخطيرة، والكف عن تجيير القناة لخدمة أجندات سياسية صرفة لا علاقة لها بالمهنة الصحفية ونواميسها وهو ما تمّ تجريبه في أكثر من مناسبة على غرار تغطية القضايا المتعلقة بتنقيح القانون الانتخابي، وقانون الجمعيات، وقضية الأفارقة جنوب الصحراء…”
وأكدت أنها تنشر اليوم ورقة توجيهية في التغطية الإعلامية للمحاكمات من أجل الإستئناس بها في متابعة قضية التآمر وغيرها من المحاكمات التي قد تعرفها بلادنا في إطار الموازنة بين حرية الصحافة والحق في الولوج إلى المعلومات من جهة، وحماية الحدود القانونية والقيم الأخلاقية من جهة أخرى، وفق نص البلاغ.
وفي سياق متصل أكدت نقابة الصحفيين إنّ ملف ما يعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة” محط اهتمام وطني ودولي وشهد موجة من الجدل والتشكيك في استقلالية الأعمال القضائية باعتبار أن أغلب المتهمين فيه معارضون لسياسات النظام القائم.
وأكدت إنّ العمل الصحفي داخل قاعات المحاكم لا يخضع لترخيص مسبق من وزارة العدل وأن الترخيص يشمل فقط التصوير والتسجيل داخل قاعات المحاكم وفق أحكام الفصل 62 من المرسوم 115 الخاص بحرية الصحافة والطباعة والنشر.
وذكرت النقابة أن الدستور التونسي في فصله 37 يمنع الرقابة المسبقة على حرية التعبير والرأي والإعلام والنشر ويضمنها، ونذكّر بأن إجراءات الحضر السابقة أسهمت بشكل كبير في إكساء هذا الملف غموضا كبيرا مما ساهم في انتشار أخبار غير رسمية عن القضية إضافة إلى انتشار الإشاعات والتسريبات الموجهة للرأي العام والتي مست بقرينة البراءة للمتهمين في هذا الملف.
وطالبت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وزارة العدل بالقطع مع حالات المنع المتكرر للعاملين في مجال الصحافة في المحاكم التونسية وتحث السلطات القضائية على عدم وضع عوائق غير مشروعة أمام التغطية الإعلامية، وتمكين الفرق الصحفية من حقها في العمل على تغطية مداولات جلسات هذا الملف الذي يكتسي أهمية كبرى للرأي العام الوطني والدولي احتراما لحق الجمهور في الحصول على المعلومات وحق الدفاع وتكريسا لمبدأ علنية الجلسات الوارد في القانون التونسي، وفق نص البلاغ المذكور.
نقاش حول هذا المنشور