في اليوم العالمي للقضاء على الخطاب العنصري: من هنا بدأت الأزمة في تونس وهناك إنتهت !

يوافق يوم أمس الثلاثاء 21 مارس 2023 اليوم العالمي للقضاء على الخطاب العنصري، موضوع أسال الحبر الكثير بتونس مؤخرا حيث أثار بيان رئاسة الجمهورية التونسية الذي نشر عقب إجتماع لمجلس الأمن القومي التونسي الثلاثاء 21 فيفري 2023، جدلا واسعا بتونس، حيث دُعيٓ من خلاله إلى وقف تدفق اللاجئين من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس مؤكدا وجود مخطط لتغيير التركيبة الديموغرافية للبلاد، وفق نص البلاغ حينها.

منطلق الأزمة: 
 

أزمة خطاب الكراهية الموجّه إلى المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء كان نتيجة تراكمات وإرهاصات عديدة ليست وليدة خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد فحسب وإنما يعتبر ذلك مجرد نتيجة طبيعية حذّر منها حقوقيون تونسيون. 

فصفحات النقابات الأمنية التي تنشر على وسائل التواصل الإجتماعي “نجاحات الأمن” في صدّ الجريمة بكل أنواعها، أخرج المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء في صورة المجرم الذي يأتي جرائم غريبة على المجتمع كالإختطاف وإفتتاح مطاعم عشوائية تذبح فيها القطط وتصنع فيها خمرة محلية إفريقية، إضافة إلى تصوير المهاجر الافريقي في صورة المروج والمستهلك للمواد المخدرة بكل أنواعها. 

إضافة إلى كل هذا تنامى خطاب التحذير من أن هذه الفئة من المهاجرين ستسعى في وقت لاحق إلى إحتلال البلد وأن هؤلاء يتبنون سردية مفادها أن تونس بلد إفريقي وأن من حقهم طرد “المحتلين العرب” وإرجاع شمال إفريقيا “اسودا”. 

سردية ساهمت في تدعيهما اطراف حزبية على غرار الحزب القومي التونسي الذي حدثنا عضو مكتبه السياسي حسام طوبان معتبرا وجود مخطط عابر للبحار وأن اوروبا ستسعى لجعل تونس مخيما كبيرا للاجئين. 

طوبان أكد لنا ايضا أن المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء قاموا بتأسيس حزب سياسي يرأسه شخص يدعى “إتيان أنان” ، وأن “أنان” يقوم بعقد لقاءات دورية مع سفارات أجنبية بغاية دعمه. 

هذا وقد ساهمت كل هذه الأنواع من الخطابات في تنمية نزعة عنصرية تجاه السود إضافة إلى التخويف من الآخر وتصويره في صورة المحتل، لتجد رافدا رسميا في خطاب رسمي من أعلى هرم في السلطة فتتحرر وتتحول إلى جريمة. 

تجليات الأزمة: 

غداة بيان رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي أكد فيه وجود مخطط لتغيير التركيبة الديموغرافية للبلاد وأن توطين المهاجرين الأفارقة في تونس تجلٍّ واضح لهذا المخطط، تحرك عدد من المواطنين في سلوك “مليشياوي” عبر تركيز دوريات “حشد شعبي” خارج إطار القانون، مهمتها طلب الأوراق الرسمية لكل من يعترض طريقهم من المهاجرين. 

بعض هذه السلوكات العنيفة تحولت إلى عنف مادي بعديد المناطق حيث تعرض عدد من المهاجرين الأفارقة بحي إبن خلدون بالعاصمة للإعتداء بالعنف إثر نزولهم من الميترو، إضافة إلى تسجيل حالات عنف في مناطق أخرى. 

توجهنا إلى حي إبن خلدون بالعاصمة أين إلتقينا عددا من المهاجرين، “أوسكار” مهاجر من إفريقيا الوسطى مقيم بتونس جاء للدراسة بجامعة خاصة، أكد لنا عدم خروجه من الشقة منذ يومين هو ورفاقه وأن الوضع بالخارج بات يشكل تهديدا كبيرا على سلامتهم، كما أخبرنا “أوسكار” أنه تعرض للشتم بألفاظ عنصرية بالشارع إضافة إلى قذفه بالحجارة. 

وتابع بالقول ” تونس لم تعد آمنة، إتصلت بعائلتي وأخبرتني بضرورة العودة إلى الوطن، لم نخرج منذ يومين، حتى مؤونة المطبخ ستنفذ ولم نشتر شيئا، وأموالنا ايضا ستنفذ نحن بحاجة إلى من يرافقنا منكم إلى المصرف كي لا يتعرض لنا أحد”. 

“عابد” وهو مهاجر من جزر القُمر مقيم بتونس منذ سنوات من أجل الدراسة أكد لنا هو الآخر عدم خروجه من المنزل منذ بداية الأحداث، في حين أكدت مهاجرة أخرى (رفضت الكشف عن إسمها) تعرض صديقتها لتشويه وجهها وأن الأمر أخافها كثيرا وإنقطعت عن الدراسة إلى حين هدوء الاوضاع. 

“جون ماري كوني” هو رجل أعمال إيفواري مقيم بتونس منذ أزيد من عقد، حدثنا عن الخسارة الهائلة التي تسببت بها هذه الموجة من العنصرية لمشروعه خاصة وأن أغلب حرفائه من دول إفريقيا جنوب الصحراء، حيث قال ” نحن كلنا أفارقة وتونس حسب أعتقادي بلد إفريقي هي الأخرى، نأمل أن تمرّ هذه الأزمة التي سببت أضرارا فادحة لنا، ندعو إلى التهدئة وألا تُفهم تصريحات أعلى هرم في السلطة هنا بشكل سيء، نطمئن الأفارقة أن الاوضاع في تونس تسير نحو الهدوء والحكومة تبذل مجهودات حثيثة لإحتواء كل هذه الأمور”. 

موقف الأطراف الحقوقية التونسية: 

أطراف حقوقية عديدة أدانت تصريح رئيس الجمهورية قيس سعيد حول المهاجرين، حيث أصدرت اكثر من 30 جمعية ومنظمة بيانا موحدا ادانوا فيه ما يحدث تجاه هذه الفئة من المهاجرين. 

كما تم تنظيم مظاهرة آواخر شهر فيفري إنطلقت من امام مقر نقابة الصحفيين التونسيين بشارع الولايات المتحدة الأمريكية بجهة اللافيات، وصولا إلى شارع الحبيب بورقيبة قلب العاصمة، وشاركت فيه تشكيلات حقوقية وسياسية مختلفة إتحدت كلها على نبذ خطاب الكراهية وضرورة إحتواء الأزمة. 

أحمد الكحلاوي ناشط سياسي ومدني أكد في تصريح لنا ما يلي :” تونس جزء لا يتجزأ من إفريقيا، وتونس هي التي منحت هذا الإسم للقارة، وطالما كانت بوابة نحو هذه القارة، فكيف لمن يسمى أجداده بالأفارقة أن يكون عنصريا، هؤلاء أشقاء لنا ونحن ندين كل تصرف عنصري ضدهم”.  

مساعي الحكومة التونسية لإحتواء الأزمة: 

سارع رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى تدارك موقفه من خلال تصريح جديد نشر على صفحة الرئاسة أكد فيه أن تصريحاته لا ترمي إلى العنصرية وأن هناك أطرافا متربصة تسعى لتأويل كلامه بشكل خاطيء. 

ودعا سعيد إلى عدم التعرض لهذه الفئة من المهاجرين وأن تسهل كل الإجراءات لهم.  

كما إستقبل سعيد رئيس غينيا بيساو بقصر قرطاج في مراسم وصفت “بالحميمية” موضحا له الموقف التونسي الرافض للعنصرية وأنه وقع تأويل تصريحاته بشكل خاطيء. 

من جهتها أكدت الحكومة التونسية منحها إقامة بسنة لكل من لا يملك وثائق إقامة بتونس، كما وضعت رقما أخضرا للتبليغ عن أي إعتداءات تطالهم. 

وزير الخارجية التونسي عقد من جهته ندوة صحفية أكد من خلالها الرفض الرسمي لوصم تونس بالعنصرية، كما أجرى عدة إتصالات بعدد من نظرائه الأفارقة لإحتواء الأزمة. 

تعامل الدول الإفريقية مع موجة العنصرية بتونس: 

أثارت هذه الأحداث بتونس ردود أفعال غاضبة بعدد من الدول الإفريقية، حيث دعا البعض إلى مقاطعة المنتجات التونسية وسحبها من الأسواق الافريقية. 

رئيس مجلس الأعمال التونسي الافريقي أنيس الجزيري أكد في تصريحات إعلامية إلغاء عديد العروض التونسية بالبلدان الأفريقية فيما تم حجز بضائع تونسية بعدد من الموانيء كإحتجاج على تصريحات سعيد. 

غينيا ذهبت أكثر من ذلك عبر تأمين رحلات إجلاء لرعاياها من تونس في مشهد يوحي بوجود وضع كارثي بالبلاد. 

الكوت ديفوار هي الأخرى أكدت تامين رحلات لإجلاء رعاياها من تونس بعد أن تجمع العشرات منهم أمام السفارة مطالبين بإخراجهم . 

الاحتجاج الافريقي طال أيضا الميدان الرياضي، فمباراة تونس والسنيغال في كأس إفريقيا لاقل من 20 سنة المقامة بمصر، شهدت إحتفالا في شكل إحتجاج من لاعبي أسود الترينغا.