اختتمت الدورة 44 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي منذ اسبوع، دورة جميلة أبرزت مرة اخرى ان هذا المهرجان يستحق تصنيفه ضمن الفئة “أ” من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات منتجي الافلام أي من بين اكبر 14 مهرجان سينما في العالم ( وهو المهرجان الوحيد في كامل المنطقة المدرج في هذه الفئة).
مع ذلك رئيسه الحالي الممثل حسين فهمي يطمح لجعله مدرج من بين اكبر 4 مهرجانات سينمائية عالمية الى جانب مهرجانات كان وبرلين وفينيس. فعلا لما لا؟
ليس بالمستحيل او الصعب جدا على فريق يعمل بجدية ان يرتقي بمهرجانه ويجذب له جمهور بأعداد متزايدة.
في العموم هذه الدورة 44 كانت جيدة التنظيم، تم اختيار مجموعة رائعة من الافلام العديد منها الاولى عالميا او اقليميا، العروض تبدأ في وقتها، القاعات كانت في اغلب الاحيان ممتلئة والافلام المتسابقة كانت متبوعة بنقاشات مهمة جدا. كل اعضاء الفريق المنظم سواءا القارون او الموسميون او المتطوعون كانوا ودودين ومتعاونين للغاية، كانوا متواجدين لمساعدة الضيوف والجمهور الذين قدموا للمشاركة في هذا المهرجان الكبير.
بطبيعة الحال توجد بعض التفاصيل الواجب تحسينها، مثلا ديكور مسرح القاعة الكبرى للأوبرا، الذي تم تركيزه لحفلتي الافتتاح والاختتام وظل قائما طيلة مدة المهرجان مما سبب ازعاجا اثناء العروض، من ذلك ان جزء من ارضية المسرح يلمع وبالتالي كان يعكس ضوء الشاشة او الانخفاض الكبير لدرجة حرارة التكييف مما يفترض جلب سترة او معطف حتى لا يتجمد المرء في مقعده وطبعا مشكلة الجمهور الذين يتعسفون في استعمال هواتفهم ويزعجون المجاورين لهم، دون ان ننسى الفيلمين الطولين التونسيين “جزيرة الغفران” لرضا الباهي و”نرجعلك” لياسين الرديسي اللذين تم برمجة عرضهما الاول في نفس اليوم ونفس الساعة مما اجبرنا نحن التونسيين على الاختيار بينهما. بالنسبة للنقطة الاخيرة، حسب ادارة المهرجان كان هنالك قيود تتعلق بتواريخ اقامة بعض اعضاء فريقي الفيلمين اجبرتهم على ذلك، لكن كان بالإمكان دائما عرض الفيلمين في اوقات مختلفة.
في حوار للناقد السينمائي اندرو محسن مدير المكتب الفني للمهرجان ظهر هذا الاسبوع في جريدة مصرية، قال انه ومثل كل سنة بمجرد انتهاء الدورة يتم عقد اجتماعات لتقييمها ومعرفة نقاط الضعف والعيوب او النقائص ومحاولة تفاديها مستقبلا. هذا هو احد اسرار نجاح المهرجان: نقد الذات يكون ممكنا في اطار الاستمرارية والاستفادة من التجارب.
لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي فريق عمل دائم يتكون من 28 شخص البعض منهم موجود منذ 20 سنة مما يسمح بالعمل طول السنة والاعداد الجيد للدورات. بفضل الخبرة المكتسبة على مر السنوات تمكن هؤلاء الاشخاص من التقدم واصلاح العيوب والاخطاء والتحسين باستمرار، وهذا حتى عندما يقع تغيير الرئيس. دائما حسب اندرو محسن، في السنة الفارطة بعد اعلان مغادرة محمد حفظي الرئيس السابق لمهرجان القاهرة السينمائي وقبل تعيين الرئيس الجديد، واصل الفريق العمل والاعداد للدورة الموالية دون انقطاع. مثلا تواصل الفريق الفني مع مهنيي السينما ومختلف المنتجين والموزعين والمبرمجين ليبقوا على اطلاع على الافلام الجديدة للسنة وباشروا المفاوضات حتى يكون بعضها ضمن مهرجان القاهرة السينمائي. حسب قوله هذه المفاوضات امكن اجراؤها لان المعنيين بالأمر كان لديهم ثقة تامة في المهرجان وفي جديته. طبعا لم يقع ابرام أي اتفاق نهائي في انتظار تعيين الرئيس، لكن كامل العمل الاولي تم انجازه ربحا للوقت.
بمناسبة لقاء له مع الصحفيين المدعوين لمهرجان القاهرة السينمائي سلط حسين فهمي ايضا الضوء على هذه النقطة، فقد اكد ان الفريق هام جدا بل واهم من الرئيس نفسه وان الفريق هو الذي يقوم فعلا بكامل العمل. ففي بداية تعيينه كان هنالك الكثير من الاجتماعات لتحديد الاهداف المراد تحقيقها وضبط الاجراءات وتوزيع المهام ثم سار كل شيء بشكل جيد. فقد قال هو نفسه انه لا يقضي عشرة او اثنا عشرة ساعة في اليوم بالمكتب، لكن يذهب تقريبا ساعتين حتى يكون على اطلاع ويحل المشاكل التي تبرز ويعطي توجيهاته. ما دام استطاع ان يسمح لنفسه بذلك، فلأنّ الجميع يعمل وبشكل جيد جدا.
امير رمسيس مدير عام وحسين فهمي رئيس واندرو محسن عضو المكتب الفني لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في مهرجان فينيس سبتمبر 2022
.
بالإضافة الى هذا الفريق الدائم الذي يكتسب عاما بعد عام خبرة صلبة، كل رئيس جديد يحتفظ بما انجزه من كانوا قبله ويحاول الاضافة والاتقان. نفس الشيء بالنسبة لهذه الدورة 44 حافظ حسين فهمي على كل التجديدات التي ادخلها سابقه محمد حفظي، مثلا تم الاحتفاظ بأيام القاهرة لصناعة السينما التي تم انشاؤها في 2018 واصبحت حدث هام جدا بالنسبة لكل مهنيي السينما و”الفود كورت” اصبح مكان للقاء الجمهور وايضا عبارة عن نادي للسينما يتيح مناقشات هامة حول الافلام والاتفاق مع الجامعات لجذب الطلبة ومسرح النافورة وهو وفضاء في الهواء الطلق أنشئ في 2020 لمواجهة جائحة كوفيد 19 والذي يسمح خلال النهار باستقبال لقاءات ومحاضرات وندوات وفي المساء عروض الافلام، لكل هذا اضاف حسين فهمي هذه السنة الحضور الكبير في المهرجانات الاجنبية مثل “كان” و”فينيس”، مثلا في ماي 2022 مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كان حاضرا في “كان” مع حملة ملصقات كبرى وفي 2023 من المتوقع عودة جناح مصر في القرية العالمية بكان. ايضا هنالك شراكة قائمة مع مهرجان البحر الاحمر السينمائي الدولي وخاصة فيما يتعلق بترميم الافلام المصرية القديمة التي سيقع برمجتها في المهرجانين. وبالمناسبة قام مهرجان القاهرة السينمائي هذه السنة بترميم فيلمين ” الاختيار” ليوسف شاهين (1971) و “يوميات نائب في الارياف” لتوفيق صلاح (1969) تمت برمجتهما ضمن كلاسيكيات القاهرة. هذه التجربة شهدت نجاحا كبيرا لدى العموم فتقرر اعادتها. دون ان ننسى ان المحافظة على الموروث السينماتوغرافي لمصر هو جزء من واجبات واهداف المهرجان.
الجدير بالملاحظة ايضا التفاهم او التعاون بين الرئيسين، فخلال كامل السنة سجلنا حضور محمد حفظي في اللحظات المهمة للمهرجان، خاصة اثناء الندوة الصحفية في 27 اكتوبر لتقديم برنامج الدورة 44. اضافة لذلك وقبل ساعات قليلة من بدء حفل الافتتاح نشر محمد حفظي على حسابه فايسبوك تشجيعات للرئيس الجديد ولفريقه. وخلال نفس حفل الافتتاح حسين فهمي هو من كرم بدوره الرئيس السابق الذي كان حاضرا بالقاعة.
كل هذا يمكن ان يبدو بديهيا، لكن مع ذلك لا، ففي تونس اقدم مهرجان سينمائي بافريقيا وبالعالم العربي، ايام قرطاج السينمائية الذي تأسس في 1966 لا يزال بدون فريق دائم. هذا المهرجان لم يكن لديه حتى مكتب قبل مارس 2018. هذا المهرجان ينظم كل سنة تقريبا بداية من شهر مارس تاريخ تعيين الرئيس الجديد مبدئيا لسنة واحدة وفي بعض الاحيان لسنتين، وبطبيعة الحال في كل مرة يطلب من الرئيس تكوين فريق واعداد دورته لشهر اكتوبر الموالي. كيف يمكن فرض تنظيم مهرجان بين 7 و8 اشهر خاصة مع فريق جديد في كل مرة؟
نائلة ادريس
نقاش حول هذا المنشور